فأولا : إن الباء في مثل هذه المواضع يفهم منها أن في مدخولها معنى الآلة والوسيلة لإيصال الشارب إلى مشروبه ، وذلك معناه : أن الوسيلة والآلة شيء ، وما يراد التوسل بها إليه ليس موجودا فيها بالفعل ، بل هي فاقدة له ، مع أن كلمة «كأس» تشير إلى حصول الامتلاء لها ، وأن ما يريده الشارب موجود فيها فعلا. فالإتيان بالباء لا يصلح هنا ، إذ قد يتوهم من الباء ، ما يتنافى مع إرادة التطمين بوجود المقصود كما أشرنا ..
وثانيا : إن كلمة «من» تفيد التبعيض ، ففيها إيحاء ، بأن المشروب لن ينفد من ذلك الكأس ، بسبب الشرب منه ، مهما تعدد هذا الشرب ، أو تواصل .. فهي دائمة الاتصاف بكونها كأسا .. ودائمة الاحتواء على ما يشرب ، ما دام أن ما يشرب هو بعض ما فيها ، حسبما أفادته كلمة «من» التبعيضية ..
«كان مزاجها» :
أما لماذا جاء بكلمة «كان» في قوله (كَأْساً كانَ مِزاجُها) ، مع أنه كان يمكن أن يقول : «كأسا مزاجها».
فقد يقال : إن السبب فيه هو أن تصير كلمة «كافورا» منصوبة ، مراعاة للناحية الجمالية ، الناشئة عن التناسق الظاهر من رعاية القافية في الآيات السابقة واللاحقة ..
غير أننا نقول :
إننا لا نمانع في أن تكون الناحية الجمالية مقصودة أيضا ، لما لذلك من تأثير في الراحة النفسية للقارئ والسامع ، ولغير ذلك ..
ولكن ليس ذلك هو كل السبب ، إذ لعل السبب الأولى والأهم هو