بل اندفعوا بالإيثار إلى أقصى مداه ، فأعطوه جميع ما أعدوه لإفطارهم. لأنهم أرادوا له أن يجد الفرصة لمراجعة حساباته ، واستئناف تحركاته في سبيل عمل يخرجه مما هو فيه ..
أضف إلى ذلك ، أن هذا العطاء كان بالنسبة للباذلين ، في ساعة حرجة جدا. وبالذات في ساعة الإفطار ، حيث تلح النفس بالمطالبة بالطعام ، وتدعو للاحتفاظ به ، إذ لو طلب منهم بذل الطعام ، قبل حلول ساعة الإفطار ، فإن التخلي عن الطعام يكون أيسر ، لعدم وجود هذا الإلحاح على الاحتفاظ به ، بفعل قوة الحاجز ، مع الإفساح في الأمل بإمكانية الحصول على البديل فيما تبقى من الوقت ..
ولكن الطلب قد جاء في الساعة الحرجة والصعبة ، وحيث يشتد تعلق النفس بالطعام ، فكيف إذا مازج ذلك عامل الحضور والمشاهدة والعيش بالأجواء ، حتى لتكاد الأيدي تمتد إليه ، فإن التعلق به سيكون ـ بلا شك ـ أقوى ، والتخلي عنه أصعب ..
ولكن حالة المسكين وضعفه ، وشدة حاجته ، فيها أيضا شيء من قوة الدعوة للبذل ، ودرجة من التأثير المعاكس في أحوال كهذه ..
٥ ـ اليتيم والباذلون في اليوم الثاني :
وفي اليوم الثاني .. حيث لم يذق الصائمون طعاما طيلة يومين كاملين. بل اكتفوا بشرب الماء في الليلة السابقة. قد أصبح واضحا : أن الحاجة إلى الطعام قد اشتدت ، ودواعي الاحتفاظ به قد ازدادت ، والحرص عليه قد تنامى وعظم ، لا سيما مع وجود صبيين معهم ، هما الحسنان بالذات .. وهما سيدا شباب أهل الجنة ، وريحانتا رسول الله [صلىاللهعليهوآله].