حضور الله سبحانه في قلب هؤلاء الأبرار ، وفي كل وجودهم. وعن أنهم قد بلغوا درجة الكمال في مزاياهم .. حتى أصبح الوفاء بتعهداتهم هو السمة المميزة لهم ، ولكن لا خوفا من عقاب ، ولا طمعا في ثواب ، بل لأن هذا هو خلقهم الأصيل.
ولعل ذلك يوضح السبب في أنه تعالى قدم قوله : (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) على ما عداه ، حيث قال : (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ). ولم يقل : يخافون من ربهم يوما عبوسا قمطريرا ، ويوفون بالنذر.
فإن هذا هو السياق الطبيعي لحياة هؤلاء الأبرار ، ولعباديتهم له تعالى. ولارتباطهم به سبحانه ، ومستوى هذا الارتباط ..
لا يوجد عاطف :
وقد رأينا : أنه تعالى لم يأت بعاطف ، فلم يقل : يشربون ويوفون بالنذر ، بل رتب الوفاء على نفس الشرب من الكأس التي هي عين. واعتبر هذه الجملة هي المورد الأول الذي يسوقه ليشرح لنا من خلاله ، كيف أن شرب الأبرار من تلك العين ، وتفجيرهم لها يتحول إلى وفاء بالنذر ، وإلى خوف من يوم الجزاء ، وإلى إطعام الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إلخ ..
حيث إن أبراريتهم بكل المعاني التي تتضمنها ، قد اقتضت ذلك كله ..
فهذا التفصيل لذلك الإجمال ، وارتكاز الوفاء على الشرب ، لا يتلاءم مع ذكر الواو الدالة على أن الموردين في عرض واحد ..
«يوفون» :
وقد قال : «يوفون» ، ولم يقل «يفون» ، لأن كلمة «يفون» مأخوذة من وفى ، ومضارعها يفي ، وكلمة «يوفون» مأخوذة من أوفى ، ومضارعها هو يوفي.