ولما ذا عبر بالجعل؟
ولما ذا كان هذا الجعل منه تعالى ، فلم يقل : فكان سميعا بصيرا؟! ..
ولما ذا السمع والبصر دون غيرهما من الحواس؟! ..
أو لما ذا لم يقل : جعلناه عاقلا ، أو جعلناه ذا شعور وإدراك؟!. مع أن العقل من أعظم نعم الله على الإنسان ..
كما أنه حين ذكر هدايته السبيل ، لم يقل : إما شاكرا ، وإما كافرا ، بل جاء بصيغة المبالغة ، فقال : إما شاكرا ، وإما كفورا؟! ..
وأشار أيضا إلى الشكر والكفر ، لا إلى الهداية والضلال؟! ..
وكل ذلك سيتضح إن شاء الله فيما يأتي من مطالب ..
الأمشاجية للمزايا الإنسانية ، لا المادية :
ثم إننا نستطيع أن نؤكد ما ذكرناه ببيان آخر ، هو كما يلي :
أولا : إنهم يقولون : إن نطفة الرجل تهاجم بويضة المرأة في القرار المكين ، وتمتزج بها ، ثم تبدأ بالنمو والتطور في مراحل الخلق (خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ.) وفي هذه الأطوار قد يبتلى ببعض البلاءات التي تفرض عليه وراثيا ، بفعل السنن الإلهية الحاكمة ، وتكون النتيجة هي إرث أمراض وعاهات ، وإرث مواصفات جسمانية ، أو حيوانية ، كاللون والشكل ، والطول .. وإرث بعض الحالات النفسانية كقلة الحياء ، أو نحو ذلك .. وقد لا يعرض له شيء من ذلك ، بل يبقى يسير في مراحل النشأة بصورة طبيعية ، وفقا للسنن الإلهية الحاكمة ، في هذه الأحوال أيضا ..
وليس ذلك كله هو المقصود بقوله في هذه الآية (نَبْتَلِيهِ) ، لأن احتمال انتقال تلك الحالات والابتلاءات ، مساوق لاحتمال عدم عروضها للإنسان ، لأن الآية قد فرضت حصول الابتلاء المصاحب للخلق