ويجعلها تتمحض بالدواعي والحوافز الإنسانية ، التي لا تتقاذفها الغايات الدنيوية المنحطة ، بل يضبطها هدف وغاية واحدة ، لا بد من توجيه السلوك والعمل إليها ، وهي وجه الله تعالى ..
وكل هذا الذي ذكرناه يوضح كيف أن هذه الآية لا تريد تعليل الإطعام لوجه الله بالخوف ، بل الإطعام لوجه الله يسير جنبا إلى جنب مع الخوف المنتج للحذر والانضباط .. لأن علة الإطعام لوجه الله هي أن الله سبحانه أهل لأن يعبد ويتقرب إليه بالصالحات.
وبذلك يصبح لدينا قاعدتان شاملتان ، أصيلتان في معناهما .. وهذا هو ما يناسب مقام الأبرار ، ويسانخ واقعهم وتفكيرهم.
«يوما عبوسا قمطريرا» :
ويأتي التساؤل الحائر : عن السبب في ذكر تفاصيل صفات هذا اليوم. وقد كان بالإمكان أن يقول : «إنا نخاف من عقاب ربنا».
وقد يمكن الإجابة عن ذلك ، بأن ذكر هذه التفاصيل مطلوب .. لأن أصل العقوبة للمتمرد أمر تحكم به العقول ، ويقرّه الوجدان.
وليس الأمر هنا من موارد العقوبة ، فلا يصح أن يقال : إنا نخاف من عقاب ربنا ، لأن عدم إطعام السائلين ليس فيه تمرد على المولى ، ولا هتك لحرمته ، بل الآية تتعرض لأمر سام وجليل ، يفوق في أهميته موضوع الطاعة والانقياد للأوامر والزواجر. فإن هذا الإنفاق إنما يطلب ليكون وسيلة لنيل المقامات والمراتب السامية عند الله .. ودوافعه مشاعر إنسانية ، وغاياته الاتصال بالله سبحانه ..
«عبوسا» :
وكلمة «عبوسا» هي صيغة مبالغة ، أي شديد العبوس ، أو كثيره ..