النظرة الثانية :
ثم إن الابتلاء من حيث ترتبه على خلق الإنسان من نطفة أمشاج ، قد جاء ليثير كوامن الإنسان ، في صراط نموه وتكامله المتمثل في حصوله على خصوصياته ومزاياه الإنسانية ، وفي ترميم وإصلاح ما وجده مشوها أو منقوصا ، وفي الحفاظ على حالة السلامة فيه بعد إصلاحه ..
ويتجلى هذا الابتلاء تارة في مواجهة الإنسان بالمغريات المحرمة ، وبالمصائب والبلايا ، فإن هذه المصائب والبلايا إذا أحسن الإنسان الاستفادة منها ، هي من أسباب تكاثر النعم ، بل هي بنفسها نعم ، من حيث أنها من أسباب تكامل الإنسان ، ومن موجبات صقل شخصيته.
ثم يتجلى تارة أخرى في مواجهة الإنسان بالنعم نفسها ، لتكون هي مادة الابتلاء والاختبار له : فيعطيه الله القوة والجمال والمال ، والغرائز ، ثم يعطيه العقل ، والفطرة الهادية إلى الكمال. بالإضافة إلى الهدايات التشريعية ، التي يحتاجها ، من حيث إن إعطاء تلك النعم له قد جعله بحاجة إلى هدايات تناسبها ، ولينظر ، أيشكر أم يكفر.
وقد روي : أن أول ما ابتلى الله به عباده هو نعمة خلقهم ، حيث يفرض عليهم أن يحسنوا التصرف بأنفسهم ، وأن يشكروا الله المتفضل عليهم بهذا الخلق ، ثم الاستفادة منه في دائرة تكامل خصائصهم الإنسانية والروحية ، وحتى الجسدية ، وحفظها.
والمناسب لسياق الآيات هنا هو إرادة الابتلاء بالنعم ، لا الابتلاء بالمصائب والبلايا .. فإن الآيات تحدثت عن الشكر للنعمة ، والكفر بها. فقال تعالى : (إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً).