فالخصوصية الوجودية ملحوظة في الخلق.
وقد يستعمل الخلق ويراد به التصوير ، وإعطاء الهيئات ، والأشكال. وفي هذا السياق هناك آيات كثيرة تحدثت عن مراحل الخلق التكوينية وتطوراته ، والتشكلات التي مرت بذلك المخلوق ..
وهذه الآية التي هي مورد البحث ، من هذا القبيل ، حيث ذكرت بداية خلق الإنسان حين يكون نطفة ، ثم تتلاقح مع البويضة. وقد تعدّت كلمة : «خلقنا» بواسطة كلمة : «من» التي يقال لها «من» النشوية ، أي التي تشير إلى المنشأ والمبدأ فقال : (مِنْ نُطْفَةٍ ..) وهي من قبيل كلمة «من» في قوله تعالى عن النبي عيسى [عليهالسلام] : (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ) (١) وهي نفسها الواردة في قوله تعالى : (مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) (٢) فالمراد : أن المبدأ والمنشأ ، هو السلالة ، والنطفة ، والطين ..
ففي الآية المباركة التي تحدثت عن خلق الطير ، يقول النبي عيسى [عليهالسلام] : إنه يجعل ويخلق لهذا الطين الذي هو موجود ، صورة تشبه الطير ، ثم ينفخ في هذا المجعول فيصير طيرا ..
فالنبي عيسى [عليهالسلام] لم يقل : أجعل لكم من الطين مثل الطير ، لأن جعل الهيئة للطير لا تعني وجود الطير نفسه ، ليصح أن يقال : إن هذا الذي عملته هو مثل الطير ..
كما أنه [عليهالسلام] لم يقل : أنا أنفخ الطيرية وأوجدها في تلك
__________________
(١) سورة آل عمران الآية ٤٩.
(٢) سورة المؤمنون الآية ١٢.