وقد أفاد مشهور الحكماء في ذلك حيث قالوا : بأنّ هذا النوع من الأعراض يكون الاتصاف به خارجيا ، إذ الإنسان الخارجي هو الممكن ، والنار الخارجيّة هي الملازمة للحرارة استلزام العلة لمعلولها ، أو العكس.
إذن هذا القسم ليس من قبيل القسم الأول ، وهو ليس من قبيل القسم الثاني ، حيث أنّ الإمكان ليس كالحرارة والبياض ، فإنّ الحرارة لها وجود في الخارج ، بينما الإمكان والملازمة ليس كذلك ، فإنّ عروضها يكون في الذهن وبالاعتبار ، بل لا يعقل ، بل يستحيل أن يكون عروضها في الخارج ، لأنّ ذلك يستلزم وجودها في الخارج وهو محال.
وبرهان ذلك لزوم التسلسل ، إذ لو كان الإمكان موجودا خارجيا ، ويعرض على الممكن الموجود الخارجي ، كان ذلك الوجود كوجود ، معروض له الإمكان أيضا ، ويلزم من هذا وجود ثالث في الخارج يعرض عليه الإمكان ، فيكون من ثم وجود رابع ، وهكذا يتسلسل.
والخلاصة هي : إنّ الإمكان والملازمة ليس لهما وجود في الخارج كالحرارة ، وإلّا لزم التسلسل فيهما.
وبهذا يتبرهن أيضا ، بأنّ الاستلزام لا يعقل وجوده في الخارج ، وهو مناف لكونه وجودا ذهنيا.
ومن هنا قال مشهور الحكماء : إنّ مثل هذه الأعراض يكون وجودها وعروضها في الذهن والاعتبار ، وبذلك تكون معقولات ثانوية عند الحكيم ، وهي ليست كذلك عند المنطقي (١).
ولذلك قالوا : بأنّها وسط بين القسمين الأوّلين.
ونحن قد أشرنا سابقا إلى عدم تعقّل هذا المطلب ، إذ لا يعقل أن يكون عالم العروض غير عالم الاتصاف ، أي : ظرف العرض غير ظرف
__________________
(١) منظومة السّبزواري في المنطق والحكمة : ص ٣٩ ـ ٤٠.