الماء لأجل الوضوء كان صعبا على العبد ، فالله تعالى يلاحظ هنا مصلحة العبد ، فإنّ مصلحة الوضوء المتوقفة على تحصيل الماء ، ألزم للعبد من المفسدة والمشقة الناشئة من تحصيل الماء ، فحينئذ يأمره بتحصيل الماء ، ولا يكون أيّ امتنان في رفع وجوب الوضوء ، بل الامتنان في إلزامه به.
وإن فرض أنّ مفسدة طلب الماء أكبر من مصلحة الوضوء ، فحينئذ تندكّ هذه المصلحة في المفسدة ، وبعد الكسر والانكسار ، تنعدم تلك المصلحة ، فلا يبقى حينئذ أيّ مقتض للأمر أصلا.
وإن فرض تساوي المصلحة والمفسدة ، فلا مقتض للأمر ، ولا للنّهي حينئذ بعد الكسر والانكسار ، وعليه : فلا يكون رفع الحكم في مورد الاضطرار كاشفا عن وجود ملاكه ومقتضاه كما ذكر.
إذن ، فالامتنان لا يرجع إلى ما ذكر ، بل معناه إنّ الشريعة شريعة سمحاء ، وهي دائما تلحظ مصالح العباد ، وتقدم الأهم على المهم ، امتنانا على العباد ، وشفقة عليهم.
وأمّا بطلان الأمر الثاني بتقريبيه ، فحاصله : إنّه لو سلّم كون حديث رفع الاضطرار كاشفا عن وجود ملاك الحرمة في مادة الاجتماع ، إلّا أنّه لا دلالة في حديث الرفع على أنّ هذا الملاك يؤثر في المبغوضيّة ، ليمنع من التقرّب ، كما جاء في التقريب الأول لهذا الأمر ، ولا يكون منافيا لمبادئ الأمر كما جاء في التقريب الثاني له ، هذا أولا.
وثانيا هو : إنّه لو سلّم أنّ ملاك الحرمة الذي يكشف حديث الرفع عن وجوده ، يؤثر في المبغوضية الفعلية.
إلّا أنّ هذا لا يمنع من التقرب به ، لأنّ ميزان التقرب نحو المولى ، هو أن يكون حال المولى مع هذا الفعل المتقرّب به ، أحسن من حاله مع فعل آخر.
وعليه : فإذا كان المكلف مضطرا لإراقة الماء ، سواء على أعضاء