ابن عباس ـ رضى الله عنه ـ يقرأ : للذين يقسمون من نسائهم (١).
__________________
ـ والإيلاء فى الاصطلاح ـ كما عرفه الحنفية ـ : أن يحلف الزوج بالله تعالى ، أو بصفة من صفاته التى يحلف بها ، ألا يقرب زوجته أربعة أشهر أو أكثر ، أو أن يعلق على قربانها أمرا فيه مشقة على نفسه ، وذلك كأن يقول الرجل لزوجته : والله لا أقربك أربعة أشهر ، أو ستة ، أو يقول : والله لا أقربك أبدا ، أو مدة حياتى ، أو والله لا أقربك ولا يذكر مدة ، وهذه صورة الحلف بالله تعالى ، أما صورة التعليق ، فهو أن يقول : إن قربتك فلله على صيام شهر ، أو حج ، أو إطعام عشرين مسكينا ، ونحو ذلك مما يكون فيه مشقة على النفس ، فإذا قال الزوج شيئا من هذا اعتبر قوله إيلاء. أما إذا امتنع الرجل من قربان زوجته بدون يمين ، فإنه لا يكون إيلاء ، ولو طالت مدة الامتناع حتى بلغت أربعة أشهر أو أكثر ، بل يعتبر سوء معاشرة يتيح لزوجته طلب الفرقة عند بعض الفقهاء ، إذا لم يكن هناك عذر يمنع من قربانها. وكذلك لو حلف الزوج بغير الله تعالى كالنبى والولى ألا يقرب زوجته ، فإنه لا يكون إيلاء ؛ لأن الإيلاء يمين ، والحلف بغير الله تعالى ليس يمينا شرعا ؛ لقول النبى صلىاللهعليهوسلم : «من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت». ومثل هذا لو علق الرجل على قربان زوجته أمرا ليس فيه مشقة على النفس : كصلاة ركعتين أو إطعام مسكين ، لا يكون إيلاء. وكذلك لو كانت المدة التى حلف على ترك قربان الزوجة فيها أقل من أربعة أشهر لا يعتبر إيلاء ؛ وذلك لقول الله تعالى : ( لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ) فإنه سبحانه ذكر للإيلاء فى حكم الطلاق مدة مقدرة هى أربعة أشهر ؛ فلا يكون الحلف على ما دونها إيلاء فى حق هذا الحكم.
وقد وافق الحنفية ـ فى أن الإيلاء يكون بالحلف بالله تعالى وبالتعليق ـ المالكية ، والشافعى فى الجديد ، وأحمد بن حنبل فى رواية. وخالف فى ذلك الحنابلة فى الرواية المشهورة ، فقالوا : الإيلاء لا يكون إلا بالحلف بالله تعالى ، أما تعليق الطلاق أو العتق أو المشى إلى بيت الله تعالى على قربان الزوجة فإنه لا يكون إيلاء ؛ لأن الإيلاء قسم ، والتعليق لا يسمى قسما شرعا ولا لغة ، ولهذا لا يؤتى فيه بحرف القسم ، ولا يجاب بجوابه ، ولا يذكره أهل العربية فى باب القسم ، وعلى هذا لا يكون إيلاء.
وحجة الحنفية ومن وافقهم : أن تعليق ما يشق على النفس يمنع من قربان الزوجة خوفا من وجوبه ، فيكون إيلاء كالحلف بالله تعالى ، والتعليق ـ وإن كان لا يسمى قسما شرعا ولغة ـ لكنه يسمى حلفا عرفا. ومذهب الحنفية أن الإيلاء يكون بالحلف على ترك قربان الزوجة أربعة أشهر أو أكثر. وذهب الجمهور ـ المالكية والشافعية والحنابلة ـ إلى أن الإيلاء لا يكون إلا بالحلف على ترك قربان الزوجة أكثر من أربعة أشهر.
والحكمة فى موقف الشريعة الإسلامية من الإيلاء هذا الموقف : أن هجر الزوجة قد يكون من وسائل تأديبها ، كما إذا أهملت فى شأن بيتها أو معاملة زوجها ، أو غير ذلك من الأمور التى تستدعى هجرها ؛ علّها تثوب إلى رشدها ويستقيم حالها ، فيحتاج الرجل فى مثل هذه الحالات إلى الإيلاء ، يقوى به عزمه على ترك قربان زوجته تأديبا لها ورغبة فى إصلاحها ، أو لغير ذلك من الأغراض المشروعة ؛ فلهذا لم تبطل الشريعة الإسلامية الإيلاء جملة ، بل أبقته مشروعا فى أصله ؛ ليمكن الالتجاء إليه عند الحاجة.
ينظر : بدائع الصنائع (٣ / ١٧١) ، الخرشى (٣ / ٢٣٠) ، حاشية الدسوقى (٢ / ٤٢٧) ، مغنى المحتاج (٣ / ٣٤٤) ، المغنى لابن قدامة (٧ / ٢٩٨).
(١) أخرجه عبد الرزاق وأبو عبيد فى فضائله وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن الأنبارى فى المصاحف كما فى الدر المنثور (١ / ٤٨٢).