وما هو لليمين من الحكم ، لا يجب لغيرها نحو الكفارة التى تجب للحنث فيها ، ثم يجب له على كل حال ، على أى وصف كانت اليمين. فكذلك حكم الإيلاء. وهو قول عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس ، رضى الله تعالى عنهما.
وروى عن على (١) ـ رضى الله تعالى عنه ـ التفريق بين الغضب والرضا. ثم أوجب التربص للمولى. فمن كانت يمينه بدون أربعة أشهر فهو بعد المدة ليس بمول ، فلم يلزمه الحكم الذى جعل الله للإيلاء ؛ ألا ترى أنه فى المدة ذكر (الفىء) (٢) ، وهو لو وجد منه لم يجب عليه ما فى الفىء من
__________________
(١) أخرجه عبد بن حميد كما فى الدر المنثور (١ / ٤٨٣).
(٢) الفىء : هو أن يرجع الزوج إلى معاشرة الزوجة التى آلى منها ، بحيث تعود الحياة الزوجية بينهما إلى ما كانت عليه قبل الإيلاء. وللفيء طريقان : إحداهما أصلية ، والأخرى استثنائية أما الأصلية : فهى الفىء بالفعل ، وأما الاستثنائية : فهى الفىء بالقول.
أ ـ الفىء بالفعل :
المراد بالفعل الذى يكون فيئا وينحل به الإيلاء : إنما هو الجماع ، ولا خلاف فى هذا لأحد من الفقهاء. قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الفىء : الجماع ، ولا يكون ما دون الجماع فيئا. وينبنى على الفىء بالفعل انحلال الإيلاء ، ولزوم مقتضى اليمين ؛ لأنه بالجماع يتحقق الحنث ، واليمين لا تبقى بعد الحنث ؛ إذ الحنث يقتضى نقض اليمين ، والشىء لا تبقى مع وجود ما ينقضه.
فإن كانت اليمين قسما بالله تعالى أو بصفة من صفاته التى يحلف بها : كعزة الله وعظمته وجلاله وكبريائه لزمته كفارة يمين فى قول أكثر أهل العلم ، وعند بعض العلماء لا تجب عليه الكفارة. وإن كانت اليمين بتعليق شىء على قربان الزوجة لزمه ما التزمه من ذلك ، فإن كان المعلق على القربان طلاقا أو عتقا وقع الطلاق والعتق وقت حصول الفىء ؛ لأن الطلاق والعتق متى علق حصوله على حصول أمر فى المستقبل ، ووجد المعلّق عليه ، وقع الطلاق وثبت العتق بمجرد وجوده ، كما هو مذهب الفقهاء. وإن كان المعلق على القربان صلاة أو صياما أو حجا أو صدقة : فإما أن يعيّن لأدائه وقتا أو لا يعين ، فإن عين للأداء وقتا كأن يقول : إن قربت زوجتى مدة خمسة أشهر فعلىّ صلاة مائة ركعة فى يوم كذا ـ مثلا ـ لزمته الصلاة فى الوقت الذى عينه. وإن لم يعين للأداء وقتا وجب عليه فعل ما التزمه فى أى وقت أراد ، ولا إثم عليه فى التأخير ، وإن كان الأفضل الأداء فى أول وقت يمكنه الأداء فيه ؛ خوفا من انتهاء الأجل قبل أن يؤدى ما وجب عليه.
ب ـ الفىء بالقول :
إذا آلى الرجل من زوجته كان الواجب شرعا عليه أن يفىء إليها بالفعل ، فإن لم يقدر على الفىء بالفعل لزمه الفىء بالقول ، كأن يقول : فئت إلى زوجتى فلانة ، أو : رجعت عما قلت ، أو : متى قدرت جامعتها ، وما أشبه ذلك من كل ما يدل على رجوعه عما منع نفسه منه باليمين.
والحكمة فى تشريع الفىء بالقول : أن الزوج لما آذى زوجته بالامتناع من قربانها ، وعجز عن الرجوع ، وكان فى إعلانه الوعد به إرضاء لها لزمه هذا الوعد ؛ ولأن المقصود بالفيئة ترك الإضرار الذى قصده الزوج بالإيلاء ، وهذا يتحقق بظهور عزمه على العود إلى معاشرتها عند القدرة.
ولا يصح الفىء بالقول إلا إذا توافرت فيه الشرائط الآتية :
الشريطة الأولى : العجز عن الجماع ، فإن كان الزوج قادرا على الجماع لا يصح منه الفىء ـ