الكفارة؟! فكذا بمضى المدة لا يلزمه الطلاق. وبه يقول على وابن عباس وابن مسعود ـ رضى الله تعالى عنهم ـ فيقول ابن مسعود : يلزمه حكم يمين يوم ، وابن عباس يقول : الإيلاء يمين الأبد. وذلك عندنا على إرادة الإتمام ، ولو جعله شرطا لكان الحكم يلزمه بمضى الأربعة الأشهر ؛ فلا وجه للزيادة عليه ، وهو قول عبد الله بن مسعود : يلزمه بدونه.
ثم اختلف الصحابة ـ رضى الله تعالى عنهم ـ فى الوقف بعد الأربعة الأشهر ، على اتفاقهم على حق لزوم الطلاق أو حقه بمضى المدة ، ثم لا يجوز أن يحلف بحق الطلاق فيلزم ، ويجوز أن يحلف بالطلاق فيلزم ؛ لذلك كان الطلاق أحق مع ما ذلك زيادة فى المدة للتربص. وجميع المدد التى جعلت بين الزوجين لم تحتمل الزيادة عليها لما جعلت له المدة ، فمثله مدة الطلاق. وهذا على أن الله ـ تعالى ـ حذر نقض اليمين بقوله : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً) [النحل : ٩١] ، وأطلق فى هذا أربعة أشهر ، بما روى فى قراءة أبى بن كعب ، أنه
__________________
ـ الحنث ، ولهذا لو تزوجها ومضت مدة الإيلاء بعد الزواج من غير فىء وقع عليها الطلاق عند الحنفية ، وأمر بالفىء إليها أو طلاقها عند الجمهور ، وهذا بخلاف الفىء بالفعل ، فإنه يصح بعد زوال النكاح وثبوت البينونة بسبب آخر ، كالخلع أو الطلاق على مال ، فإنه بالفىء بالفعل ـ وإن كان محرما ـ يبطل الإيلاء ؛ لأنه إذا وطئها حنث فى يمينه ، وبالحنث تنحل اليمين ويبطل الإيلاء ، ولكن لا ترجع المرأة إلى عصمته ، ويعتبر آثما بالوطء فى عدة البينونة.
هذا ، وسواء أكان الفىء بالفعل أم بالقول فإن له وقتا تختلف آراء الفقهاء فيه على الوجه الآتى : يرى الحنفية أن الفىء يكون فى مدة الإيلاء ، وهى الأربعة الأشهر. فإن حصل الفىء فيها ، وكان الفىء بالفعل ، حنث الزوج فى يمينه ، وانحل الإيلاء بالنسبة للطلاق ، حتى لو مضت أربعة أشهر لا تبين الزوجة. وإن حصل الفىء بالقول انحل الإيلاء فى حق الطلاق ، وبقى فى حق الحنث ، حتى لو فاء الزوج بالقول فى المدة ، ثم قدر على الجماع بعد المدة وجامعها ، لزمته الكفارة ؛ لأن وجوب الكفارة معلّق بالحنث ، والحنث هو فعل المحلوف عليه ، والمحلوف عليه هو الجماع ؛ فلا يحصل الحنث بدونه. وإن لم يحصل الفىء فى مدة الإيلاء بالفعل ولا بالقول ، وقع الطلاق بمضيها عند الحنفية كما تقدم. ويرى المالكية والشافعية والحنابلة : أن الفىء يكون قبل مضى الأربعة الأشهر ، ويكون بعدها ، إلا أنه إن حصل الفىء قبل مضى هذه المدة فالحكم كما سبق فى الكلام على مذهب الحنفية ، وإن حصل الفىء بعد مضيها ارتفع الإيلاء فى حق الطلاق وفى حق الحنث جميعا. وكذا إن حدد مدة فى يمينه ففاء بعد مضيها. أما إن كان الفىء قبل مضيها ، فإن الزوج يحنث فى يمينه ، وتلزمه كفارة اليمين إن كانت اليمين قسما ، ويلزمه ما التزمه إن لم تكن اليمين قسما ، عند من يرى صحة الإيلاء فى حالتى القسم والتعليق. ومنشأ الاختلاف بين الفقهاء فى ذلك يرجع إلى اختلافهم فى فهم قول الله تعالى : (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) : هل الفيئة مطلوبة خارج الأربعة الأشهر أو فيها؟
ينظر : البدائع (٣ / ١٧٣) ، الشرح الكبير على حاشية الدسوقى (٢ / ٤٣٨) ، مغنى المحتاج (٣ / ٣٥٠) ، المغنى لابن قدامة (٧ / ٣٢٧).