قرأ : «فإن فاءوا فيهن» ، يعنى فى الأربعة الأشهر ، ففى غير ذلك حكم النهى له آخذ. والله أعلم.
وقوله : (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ).
كقوله : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا) [البقرة : ٢٣١]. وليس ذلك على إحداثه بعد مضى المدة ، كذلك الأول.
والله أعلم.
ثم اختلف فيه على وجوه :
قال ابن مسعود (١) ـ رضى الله تعالى عنه ـ : الإيلاء على يوم فقط ، وأما التربص بأربعة أشهر ؛ لأنه لم يذكر فى الكتاب للإيلاء مدة ، وإنما ذكر المدة للتربص.
وقال ابن عباس (٢) ـ رضى الله تعالى عنه ـ : الإيلاء على الأبد ، ذهب فى ذلك إلى أن الإيلاء كان طلاق القوم ، والطلاق يقع إلى الأبد.
وقال آخرون : من ترك القربان فى حال الغضب فهو مول ، وإن لم يحلف. لكن هذا ليس بشيء ؛ لأن الله تعالى ذكر الإيلاء ، والإيلاء هى اليمين. دليله ما ذكرنا [من حرف ابن مسعود وابن عباس : (للذين يقسمون) فدل هذا أن حكم الإيلاء لا يلزم إلا باليمين على ترك القربان](٣).
وروى عن على بن أبى طالب (٤) ـ رضى الله تعالى عنه ـ : أن رجلا سأله ـ أنه حلف ألا يقرب امرأته سنتين. فقال : هو إيلاء ، وأنها تبين إذا مضت أربعة أشهر. فقال : إنما حلفت ذلك لمكان ولدى. فقال : لا يكون إيلاء. فرأى فى ذلك إيلاء إذا كان عاصيا وإذا كان إيلاؤه هو ترك قربانه إياها بمكان الولد لم ير ذلك إيلاء. ثم لا يجوز أن يحمل ما حمل هؤلاء. أما ما حمل على بن أبى طالب ، رضى الله تعالى عنه ، واعتباره بالعصيان وغير العصيان ، فالإيلاء هو اليمين ، والأيمان لا يختلف وجوبها ووجوب أحكامها فى حال العصيان وفى حال الطاعة. فعلى ذلك حكم الإيلاء.
ولو حمل على ما حمل ابن مسعود ، رضى الله تعالى عنه ، لكان لا يبقى الإيلاء بعد مضى اليوم ، فإذا لم يكن يمين بعد اليوم لم يبق حكمها.
__________________
(١) أخرجه عبد بن حميد عن ابن أبى ليلى كما فى الدر المنثور (١ / ٤٨٤).
(٢) أخرجه الشافعى وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقى فى سننه كما فى الدر المنثور (١ / ٤٨٢).
(٣) ما بين المعقوفين سقط فى ط.
(٤) أخرجه عبد الرزاق وعبد بن حميد كما فى الدر المنثور (١ / ٤٨٣).