وفى قوله : (وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ، تخويف وتحذير ، ليعلموا أن كل شىء فى علمه ، وأنه لا يعزب عنه شىء فى علمه. وبالله العصمة.
وقوله : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ).
اختلف فى تأويله :
قال قائلون : فيه دليل فساد النكاح دون الأولياء ، واحتجوا بأن قالوا : قال الله تعالى : (فَلا تَعْضُلُوهُنَّ) ، ولا ينهى عن القول من غير أن يعمل ، إذ القول فيما لا يعمل غير ضار لعضلها به ؛ فثبت أنه عامل ، وأن له فيه حقّا إلى أن نهوا ، ثبت أن قوله : «لا تعضل» ، منع ؛ إذ لو لم يجعل منعا لم يكن ضارّا به.
وقال آخرون : فيه دليل جواز نكاحهن دون الأولياء ؛ لأنه تعالى قال : (أَنْ يَنْكِحْنَ) ، واستدلوا : بأن النكاح على وجود العضل يجوز ، ولو كان العضل سبب المنع فى الجواز لم يحتمل جوازه إذا فات. وفيه أن العضل إذا لم يكن ، جاز للنساء تولى النكاح. واحتجوا أيضا بما أضاف النكاح إليهن بقوله : (أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ) ، وقوله : (فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ) [البقرة : ٢٤٠] ، وأضاف الإنكاح إلى الأولياء على إرادة إدخال الصغار ، والثانى على وجوب الحق لهن عليهم ، لا أن يجب لهم عليهن.
ثم الأصل : بأن كل نكاح أريد بالذكر الصغار وأضيف الإنكاح إلى الأولياء ؛ كقوله : (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ) [النور : ٣٢] ، وقوله : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ) [البقرة : ٢٢١] ، (وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا) [البقرة : ٢٢١] ، مع ما احتمل دخول البالغين فى هذا ، دليله قوله : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) ، والفدية لا تصح (١) من الصغار ، وقوله : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللهِ) ، والصغار لا يخاطبن بإقامة حدود الله ، وقوله : (فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ، وإن كان متأخرا فى الذكر.
بهذا قيل إن وقوع الإنكاح بالإضافة فى الصغار إلى الأولياء ، وفى الكبار إليهن ، ثم ذكر الكفاءة والمهر ، وجرى إضافته إلى الأولياء ، لذلك كان لهم التعرض فى فسخه.
ثم قوله : (إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) رجع ذلك إلى المهر ؛ لأن (التراضى) فعل
__________________
(١) فى ب : تصلح.