قيل : فيه بوجهين :
يحتمل : (فَمَنْ خافَ) أى : علم من الموصى ظلما وجورا على الورثة بالزيادة على الثلث ، (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) فى تبديله ومنعه ورده إلى الثلث وقت وصاية الموصى.
ويحتمل : (فَمَنْ خافَ) ، أى : علم من الموصى خطأ وجورا بعد وفاته بالوصية ، (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) فى تبديله ورده إلى ما يجوز من ذلك ويصح ، وهو الواجب على الأوصياء أن يعملوا بما يجوز فى الحكم ، وإن كان الموصى أوصى بخلاف ما يجيزه الحكم ويوجبه.
قال الشيخ ـ رحمهالله ـ : وكان صرف (الخوف) إلى (العلم) أولى ؛ إذ هو تبديل الوصية وقد نهى عنه وأذن به للجور ، فإذا لم يعلم فهو تبديل بلا عذر ، وقد يخفف (١) للخوف حق العلم إذا غلب الوجه فيه ، كما أن أذن للإكراه إظهار الكفر ، وذلك فى حقيقته خوف عما فى التحقيق على العلم بغلبته وجه الوفاء فى ذلك.
وقوله : (فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ) ، يعنى بين الورثة بعد موت الموصى ، ورد ما زاد على الثلث بين الورثة على قدر أنصبائهم.
وقوله : (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ، لجور الموصى وظلمه إذا بدل الوصى ذلك ورده إلى الحق.
ويحتمل : (غَفُورٌ رَحِيمٌ) ، لمن رد على الموصى جنفه وميله فى حال وصايته. والله أعلم.
والأصل فى أمر الوصاية للوارث ، أن آيات المواريث لم تكن نزلت فى أول ما بهم حاجة إلى معرفة ذلك ، فيجوز أن يكون فى الابتداء كانت الوصايا بالحق الذى اليوم هو ميراث ، يبين ذلك ما روى عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم فى ابنتى سعد (٢) ، الذى قتل بأحد ، وقد كان استولى عمهما على ميراثه ، فسألت أمهما عن ذلك ، فقال : لم ينزل فيه شىء. ثم دعاهما ، وأعطاهما ما بين
__________________
(١) فى أ : يخف.
(٢) هو : سعد بن الربيع بن عمرو بن أبى زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج.
الأنصارى الخزرجى الحارثى البدرى النقيب الشهيد الذى آخى النبى صلىاللهعليهوسلم بينه وبين عبد الرحمن ابن عوف ، فعزم على أن يعطى عبد الرحمن شطر ماله ، ويطلق إحدى زوجتيه ، ليتزوج بها فامتنع عبد الرحمن من ذلك ، ودعا له ، وكان أحد النقباء ليلة العقبة.
ينظر : طبقات ابن سعد (٣ / ٢ / ٧٧) ، سير أعلام النبلاء (١ / ٣١٨ ـ ٣٢٠) ، الجرح والتعديل (٤ / ٨٢ ـ ٨٣).