وقوله تعالى : (قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها).
هو على ما ذكرنا.
وقوله تعالى : (فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ).
أراد ـ والله أعلم ـ أن يرى الآية فى نفسه ، والآية هى آية البعث ، ويحتمل أن تكون آية فى المتأخرين.
وقوله تعالى : (قالَ كَمْ لَبِثْتَ).
سأل منه ـ جل وعلا ـ الاجتهاد بظاهر الحال الذى ظهر عنده ، ليظهر أنه اجتهد بدليل أو بغيره على ما يدركه وسعه ؛ فبان أن المجتهد يحل له الاجتهاد بما يدرك فى ظاهر الحال ، وإن كان حكم ما فيه الاجتهاد بالغيب.
قال الشيخ ـ رحمهالله ـ : أراد الله تعالى بقوله : (كَمْ لَبِثْتَ) ، التنبيه ؛ كقوله لموسى : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى) ؛ [طه : ١٧] ، ليريه الآية من الوجه الذى هو أقرب إلى الفهم ثم جهة الأعجوبة فيه بوجهين :
مرة بإماتة الحمار ، إذ من طبعه الدوام ، ومرة بإبقاء طعامه ، ومن طبعه التغير والفساد عن سريع. جعل فى بقاء طعامه وحفظه من الفساد آية ومن طبعه الفساد ، وفى إحياء حماره بعد إماتته وطبعه البقاء ؛ ليعلم ما نازعته نفسه فى كيفية الإحياء درك ذلك ؛ وهو قوله : (قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
ثم قيل فى وجهة ما أراه بأوجه :
قيل (١) : إنه أحياء عينيه وقلبه ، فأدرك بهما كيفية الإحياء فى بقية نفسه.
وقيل : أحيا نفسه ، فأراه ذلك فى حماره.
وقيل (٢) : إنه أراه ذلك فى ولده ؛ لأنه أتى شابّا ، وولده وولد ولده شيوخ. وذلك آية.
قال الشيخ ـ رحمهالله تعالى ـ فى قوله : (ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ ..). الآية : فإن قال قائل : كيف سأله عن لبثه ، وقد علم أنه لم يكن علم به؟ وأيد ذلك إخباره بقوله (لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ).
قيل : القول (كَمْ لَبِثْتَ) ، يحتمل وجهين ؛ وكذلك القول بقوله : (بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ
__________________
(١) قاله على بن أبى طالب ، أخرجه عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبى حاتم والحاكم وصححه والبيهقى فى الشعب كما فى الدر المنثور (١ / ٥٨٧) ، وعن مجاهد وابن جريج وقتادة وغيرهم عند ابن جرير.
(٢) قاله الأعمش ، أخرجه ابن جرير عنه (٥٩٤٦) ، وعن عكرمة أخرجه سفيان بن عيينة وابن أبى حاتم كما فى الدر المنثور (١ / ٥٩٠).