عامٍ) :
أحدهما : على قول ألقى إليه ونطق أسمع هو.
والثانى : أن يكون على ما حدثته نفسه بمدة لبثه فى حال نومه ، فتأمل فى ذلك أحوال نومه ، وأخبر عما عاين من أحوال الوقت الذى كان فيه مما كان ابتداؤه وقت نومه ، فقال بالذى ذكرتم لمّا تأمل شأن الحمار ، واستخبر عن الأحوال ، قالت له نفسه : (بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ) ثم أمعن نظره فى حماره ، وما رأى من تغير أحواله ، وأبقاه الله تعالى على ما ذكر. وكل ذلك خبر عما حدثته نفسه ، هى بعثه ، على التفكر فى أحواله ، والنظر فيما عاين من أمر الحمار ، أو كان علم أن ذلك موت فيه ، لكنه استقل ذلك بما شهد نفسه بما عاينها على ما كانت عليها. فلما تأمل شأن حماره [و] علم أنه رفع إلى آيات عجيبة ، فزع إلى الله تعالى ، فأنبأه الله تعالى بالذى وصف فى القرآن. والله أعلم.
ولو كان على القول فإن فى السؤال عما يعلم السائل جهل المسئول وجهين :
أحدهما : الامتحان على ما به ظهور أحوال الممتحن من الاجتهاد فى تعريف الحقائق بالاستدلال والخضوع له بالاعتراف بقصوره عن الإحاطة به ، كفعل الملائكة عند قوله تعالى : (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ) [البقرة : ٣١] ، بقولهم : (لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا) [البقرة : ٣٢] ، والأول كما فعل صاحب هذا أنه قال : (لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) ، ومثله أمر أصحاب الكهف. والله أعلم.
والثانى : أن يراد بالسؤال التقرير عنده ؛ ليكون متيقظا لما يراد به من الاطلاع على الآية ، كما قال لموسى : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى ..). الآية [طه : ١٧]. وهذا فيما كان السؤال فى الظاهر خارجا فى الحقيقة مخرج المحنة ، نحو ما ذكرنا فى أمر الملائكة ، وأمر موسى ، عليهالسلام ، فأما السؤال الذى هو فى حق السؤال إنما هو فى حق الاستخبار ، ليعلم ما عليه حقيقة الحال بالسؤال. لكن الذى ذكرت فيما كان سبيله أن يكون من له الامتحان. ولا قوة إلا بالله.
وقوله تعالى : (فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ).
قيل (١) : لم يأت عليه السنون ، أى : كأنه لم يأت عليه السنون.
وقيل (٢) : (لَمْ يَتَسَنَّهْ) ، لم يتغير ولم ينتن.
__________________
(١) قاله الكسائى كما فى تفسير البغوى (١ / ٢٤٥).
(٢) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (٥٩٢٧) ، وعن قتادة (٥٩٢٢ ، ٥٩٢٣) ، والسدى (٥٩٢٤) ، والضحاك (٥٩٢٥) ، وقاله مجاهد (٥٩٣١ ، ٥٩٣٢ ، ٥٩٣٣) ، وغيرهم ، وانظر الدر المنثور (١ / ٥٩٠).