والأحكام إلى سبيلها لزوم الفصل بالقضاء بين أربابها. فمن جعل فصل القضاء بالشاهد واليمين جعل على خلاف ما جعله من له نصب الشرائع والحجج ، وقال الله تعالى : (وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً) [الكهف : ٢٦].
وأما مخالفة السنة ـ فقوله صلىاللهعليهوسلم : البينة على المدعى ، واليمين على المدعى عليه (١). فإذا أتى بشاهد واحد لم يخرج الآخر من أن يكون مدعى عليه. فإذا كان كذلك ، وقد جعل النبى صلىاللهعليهوسلم حجة المدعى عليه اليمين ، ولم يجعل اليمين حجة للمدعى ؛ فلذلك قلنا : إنه المخالف لظاهر الكتاب والسنة. ولأن الله تعالى جعل المرأتين فى حال الضرورة ، وهو حال عدم الرجل مقام ذلك الرجل ، فلو كان يجوز القضاء بالشاهد واليمين ، لم يحتج إلى أن يكلف النساء من الخروج إلى أبواب القضاء والسلاطين لأداء الشهادة ، وفى ذلك هتك الستر عليهن وكشف عورتهن ، وتكلف القضاة فضل التفحص فى حالهن ومعرفتهن ؛ لذلك بطل القضاء بالشاهد واليمين. والله أعلم.
فإن قيل : روى عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أنه قضى به (٢).
__________________
(١) أخرجه الدارقطنى (٤ / ٢١٨) ، عن عبد الله بن عمرو وعمر بن الخطاب.
وله شاهد عن عبد الله بن عباس.
أخرجه البخارى (٤٥٥٢) ، ومسلم (١ / ١٧١١).
(٢) أخرجه مسلم (٣ / ١٣٣٧) كتاب : الأقضية ، باب : القضاء باليمين والشاهد ، حديث (٣ / ١٧١٢) ، وأبو داود (٤ / ٣٢) كتاب : الأقضية ، باب : القضاء باليمين والشاهد ، حديث (٣٦٠٨) ، والنسائى فى الكبرى (٣ / ٤٩٠) كتاب : القضاء ، باب : الحكم باليمين مع الشاهد الواحد ، حديث (٦٠١١) ، وابن ماجه (٢ / ٧٩٣) كتاب : الأحكام ، باب : القضاء بالشاهد واليمين ، حديث (٢٣٧٠) ، وأحمد (١ / ٢٤٨ ، ٣١٥ ، ٣٢٣) ، والشافعى (٢ / ١٧٨) كتاب : الأقضية ، رقم (٦٢٧ ، ٦٢٨) ، وابن الجارود فى المنتقى رقم (١٠٠٦) ، وأبو يعلى (٤ / ٣٩٠) رقم (٢٥١١) ، والطحاوى فى شرح معانى الآثار (٤ / ١٤٤) كتاب : الأقضية ، باب : القضاء باليمين مع الشاهد ، والبيهقى (١٠ / ١٦٧) كتاب : الشهادات ، باب : القضاء باليمين مع الشاهد ، والبغوى فى شرح السنة (٥ / ٣٤٠) كلهم من طريق قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال : «إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قضى باليمين على الشاهد».
وهذا الحديث قد طعن فيه الطحاوى فقال فى «شرحه» : أما حديث ابن عباس فمنكر ؛ لأن قيس ابن سعد لا نعلمه يحدث عن عمرو بن دينار بشيء فكيف يحتجون به فى مثل هذا. ا ه.
وقد رد عليه البيهقى فقال فى المعرفة (٧ / ٤٠١ ـ ٤٠٢) : ورأيت أبا جعفر الطحاوى ـ رحمنا الله وإياه ـ أنكر واحتج بأنه لا يعلم قيسا يحدث عن عمرو بن دينار بشيء ، والذى يقتضيه مذهب أهل الحفظ والفقه فى قبول الأخبار ، ما كان قيس بن سعد ثقة ، والراوى عنه ثقة ثم يروى عن شيخ يحتمله سنه ، ولقيه ، غير معروف بالتدليس كان ذلك مقبولا ، وقيس بن سعد مكى ، وعمرو بن دينار مكى وقد روى قيس عمن هو أكبر سنا وأقدم موتا من عمرو : عطاء بن أبى رباح ومجاهد بن جبر ، وروى عن عمرو من كان فى قرن قيس وأقدم لقيا منه : أيوب بن أبى تميمة السختيانى فإنه رأى أنس ـ