يوصف بالتغاير والزوال ، ولما كان كل حيّ سواه حيّا بغيره احتمل التغاير والزوال ؛ وكأن الحياة عبارة يوصف بها من عظم شأنه ، وشرف أمره عند الخلق.
ألا ترى أن الله ـ تعالى ـ وصف الأرض بالحياة عند نباتها ؛ لما يعظم قدرها ويشرف منزلتها عند الخلق عند النبات؟! وكذلك سمى المؤمن حيّا ؛ لعلوّ قدره عند الناس ، والكافر ميتا ؛ لدون منزلته عند الناس ؛ فكذلك الله ـ سبحانه ـ سمى [نفسه] حيّا ؛ لعظمته وجلاله وكبريائه ؛ وعلى هذا يخرج قوله في الشهداء ؛ حيث قال : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ) [البقرة : ١٥٤] ، أي : مكرمون معظمون مشرفون عند ربّهم.
وقوله : (الْقَيُّومُ) ، قال بعضهم : هو القائم على كل نفس بما كسبت (١).
وقال آخرون : القيوم : الحافظ (٢).
وفي حرف ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ : «هو الحيّ القيام» (٣) وكله يرجع إلى واحد : القائم.
والقيوم ، والقيام ، يقال : فلان قائم على أمر فلان ، أي : يحفظه حتى لا يغيب عنه من أمره شيء (٤).
وروي عن ابن عباس (٥) ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : «إنّ اسم الله الأعظم هو : الحيّ
__________________
(١) قال مجاهد : «القيوم» : القائم على كل شيء. أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري والبيهقي في الأسماء والصفات كما في الدر المنثور (١ / ٥٧٩) وابن أبي حاتم (٢ / ٢٥) رقم (٢٢).
وقال قتادة : القيم على الخلق بأعمالهم وأرزاقهم وآجالهم. أخرجه ابن أبي حاتم (٢ / ٢٦) رقم (٢٣).
(٢) قاله فى عمدة الحفاظ ولم يعزه (٣ / ٤١٥).
(٣) قال الطبري في التفسير (٦ / ١٥٥) : وقرأ ذلك عمر بن الخطاب وابن مسعود فيما ذكر عنهما «الحيّ القيّام» وذكر عن علقمة بن قيس أنه كان يقرأ : «الحيّ القيّم». وأخرج قراءة ابن مسعود أبو عبيد وسعيد بن منصور والطبراني. وأخرج قراءة عمر أبو عبيد وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي داود وابن الأنبارى وابن المنذر والحاكم وصححه ؛ كما في الدر المنثور (٢ / ٤) ، وراجع المحتسب لابن جني (١ / ١٥١).
(٤) والقيّوم : بناء مبالغة وزنه فيعول ، وأصله : قيووم ، فقلبت الواو الأولى ياء ؛ لأجل الياء قبلها ، وأدغمت الياء الأولى فيها ، ومعناه : القائم الحافظ لكل شيء ، والمعطي له ما به قوامه.
يقول السمين الحلبي : وعندى أنه لا يجوز إطلاق هذه اللفظة على غير الباري ـ تعالى ؛ لما فيها من المبالغة ، كما ذكروا ذلك في الرحمن ونحوه.
انظر : عمدة الحفاظ للسمين الحلبي (٣ / ٤١٥) ، ولسان العرب لابن منظور (٥ / ٣٧٨٥) (قيم).
(٥) هو حبر الأمة ، وترجمان القرآن ، عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي ، ابن عم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ضمه النبي صلىاللهعليهوسلم إليه ، ودعا له أن يعلمه الله الحكمة ، وكان أعلم الصحابة بالتفسير وأسباب النزول ، وروي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أحاديث كثيرة ، وله مناقب جمة ، بحر في علوم الشريعة ، كانوا يرجعون إلى قوله ورأيه عند الاختلاف. مات بالطائف سنة ٦٨ ه. ـ