ذلك ، ثم لم يبين لهم المحكم من غير المحكم ، ولو بين كان أصلح لهم في الدين ؛ فدل أن الله ـ عزوجل ـ قد يجوز أن يفعل بهم ما ليس بأصلح لهم في الدين ؛ امتحانا وابتلاء منه لهم ، والله أعلم.
لكن لا يخرج من الحكمة ، ثم ما قالوه في الأمر حق ؛ لأنه لا يأمر إلا أن يفعل بهم ما لهم فيه الأصلح ، وقد يفعل ما هو حكمة في حق المحنة وإن كان غير ذلك أصلح لهم في الدّين ، بمعنى : أقرب وأدعى إليه ، والله الموفق.
وقال قوم : المحكم : ما في العقل بيانه.
والمتشابه : ما لا يدرك في العقل ؛ وإنما يعرف بمعونة السمع.
وقال قوم : لا متشابه فيما فيه أحكام من أمر (١) ونهي (٢) وحلال (٣) وحرام (٤) ؛ وإنما
__________________
ـ الدين فقط. ثم اختلفوا أيضا في المراد بالأصلح :
فعند البغدادية : الأصلح : الأوفق في الحكمة والتدبير.
وعند البصرية : الأصلح : الأنفع.
ووجهة المعتزلة فيما ذهبوا إليه أنهم يرون أن الله ـ عزوجل ـ عادل غير ظالم ، حكيم ، وخلق الأشياء كلها لصالح العباد ، فبمقتضى عدله ـ تعالى ـ لا تصدر أفعاله ـ سبحانه ـ إلا على وجه الصواب والمصلحة. وبمقتضى حكمته يكون كل ما في العالم من أجل خير الإنسان ورعاية مصالح العباد.
أما مذهب أهل السنة والجماعة فإنهم لا يوجبون عليه تعالى شيئا ؛ إذ إنه ـ تعالى ـ فاعل بالاختيار ، ولو وجب عليه فعل أو ترك لما كان مختارا ؛ لأن المختار هو الذي إن شاء فعل وإن شاء ترك.
وأما الآيات الدالة على الوجوب عليه ـ تعالى ـ نحو : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها)[هود : ٦] فمحمولة على أن المراد بها : الوعد تفضلا.
وكذلك الأحاديث الدالة على ذلك.
انظر : حاشية البيجوري على الجوهرة (ص / ٧٥ ـ ٧٦) ، أصول الدين للبزدوي (١٢٦).
(١) الأمر في اللغة ضد النهي ويجمع على أمور. وقال الجوهري : أمر مصدر أمره.
واصطلاحا : عرفه المصنف بأنه القول الذي هو دعاء إلى تحصيل الفعل على طريق العلو والعظمة دون التضرع.
وقيل : هو القول الدال على طلب الفعل على جهة الاستعلاء ، وصيغته : افعل ، وهي مستعملة في اللغة في ستة عشر موضعا : الأول : الأمر. الثاني : الإذن. الثالث : الإرشاد. الرابع : التأديب. الخامس : التهديد. السادس : التسوية. السابع : الإهانة. الثامن : الاحتقار. التاسع : الامتنان. العاشر : الإكرام. الحادي عشر : الدعاء. الثاني عشر : التعجيز. الثالث عشر : التكوين. الرابع عشر : التمني. الخامس عشر : الإنذار. السادس عشر : الخبر.
انظر : ميزان الأصول (١ / ٢٠٠) ، اللسان (١ / ١٢٥) (أمر).
(٢) النهي خلاف الأمر ، يقال : نهاه ينهاه نهيا : كفه ، فانتهى وتناهى : كف. وفعله يائي واوي يقال في اليائى : نهيته ، ويقال في الواوى : نهوته ، وجاء في كلام الله ـ عزوجل ـ : (كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ) [المائدة : ٧٩]. ـ