القيامة ، وذلك علم لم يطلع الله الرسل على ذلك ، فضلا أن يطلع عليه غيرهم.
قال الشيخ ـ رحمهالله ـ : ويحتمل أن يكون اتباعهم نظرهم فيما تقصر أفهامهم عن الإدراك في الوقوف عليه ، ولو كان نظرهم في المحكم من ذلك ، لكان لهم في ذلك بلاغ وكفاية فيما إليهم به حاجة ، ولا قوة إلا بالله.
قال الشيخ ـ رحمهالله ـ : في قوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) : أي : ميل عن الحق ، وذلك همتهم ، أو كان ذلك اعتقادهم ، فإن كان المراد من ذلك في الكفرة فهو الأوّل ، وإن كان في أصحاب الهوى من الذين يدينون دين الإسلام ـ فهو الثاني (١) ؛ وكذلك نجد كل ذى مذهب في الدّين ـ ممّن اعتقد حقيقة الأمر في قوله : (اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) [الأعراف : ٣] ، وقوله : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) [الإسراء : ٩] الآية ، وقوله : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ ..). [النمل : ٧٦] الآية ـ يتعلق بظاهر الآية ؛ يدعي أنها محكمة بما عنده أنه الحق ، بعد أن أجهد نفسه في طلب الحق ، ويسوي غير ذلك عليه ، فإن كان على ذلك فحقه التسليم لما عليه توارث الأمة ظاهرا ؛ على ما روى عن نبي الله صلىاللهعليهوسلم أنه أخبر عن تفرق الأمة ، ثم أشار إلى التمسّك بما عليه هو وأصحابه (٢) [ـ رضي الله عنهم ـ](٣) فعلى ذلك أمر المتوارث ؛ فيجب جعله محكما وبيانا [لما] اختلف عليه ، ولا قوة إلا بالله.
__________________
(١) قال القرطبي : وهذه الآية تعمّ كل طائفة من كافر وزنديق وجاهل وصاحب بدعة ، وإن كانت الإشارة بها في ذلك الوقت إلى نصارى نجران.
ينظر : تفسير القرطبي (٤ / ١٠).
(٢) أصح ما قيل في تعريف الصحابي أنه : من لقى النبي صلىاللهعليهوسلم في حياته مسلما ومات على إسلامه.
ينظر : تدريب الراوى للسيوطي (٢ / ٢١٢).
(٣) أخرجه أحمد (٤ / ١٠٢) ، والدارمي في سننه (٢ / ٢٤١) ، وأبو داود (٢ / ٦٠٨) كتاب السنة : باب شرح السنة (٤٥٩٧) ، والحاكم في المستدرك (١ / ١٢٨) ، والآجري في الشريعة ص (١٨) ، وابن أبي عاصم في السنة (١ / رقم ٢) من طريق صفوان بن عمرو قال حدثني أزهر بن عبد الله عن أبي عامر عبد الله بن لعيّ عن معاوية بن أبي سفيان أنه قام فينا فقال : ألا إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قام فينا فقال : «ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملّة ، وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين : ثنتان وسبعون في النار ، وواحدة في الجنة ، وهي الجماعة».
قال الحافظ ابن حجر في «تخريج الكشاف» ص (٦٣) : وإسناده حسن. وله شواهد من حديث أنس بن مالك ، وعوف بن مالك الأشجعي ؛ فأما حديث أنس فأخرجه أحمد (٣ / ١٤٥) ، وابن ماجه في سننه (٥ / ٤٧٢) كتاب الفتن : باب افتراق الأمم (٣٩٩٣) ، وابن أبي عاصم في السنة (١ / رقم ٦٤) ، وأما حديث عوف بن مالك فأخرجه ابن ماجه في سننه ، الموضع السابق ، رقم (٣٩٩٢) ، وابن أبي عاصم في السنة (١ / رقم ٦٣).
وما بين المعقوفين سقط من ب.