الإسلام حرام ؛ كما كانت قبله ، وأنها لم تحلّ له إلا ساعة من نهار ، فإذا كان الملتجئ آمنا قبل الإسلام ؛ فالواجب أن يكون آمنا بعد الإسلام ، حتى يخرج منها.
وحجة أخرى : وهو أن الله ـ تعالى ـ أباح لرسول الله صلىاللهعليهوسلم قتل المشركين جميعا ، بل فرض ذلك عليه ، إلا أهل مكة ؛ فإنه لم يحلّ له قتلهم إلا ساعة من نهار (١) ، ففضّل مكة على غيرها بما خصّها به من التحريم ؛ فلا يبعد ألا يقام على من التجأ إليها في الإسلام ؛ إذ كانت جنايته أقل من كفر أهلها ، ولم يحلّ قتالهم إلا ساعة من نهار.
وفي الفرق [بين] من قتل فيها وفي غيرها ، ثم لجأ إليه ـ وجه آخر : قال الله ـ تعالى : (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ) [البقرة : ١٩١] : أباح لهم القتل عند المسجد الحرام ، إذا قاتلونا ؛ فعلى ذلك يقام الحدّ إذا أصاب وهو فيه ، وإذا أصاب ـ وهو في غيره ـ ثم لجأ إليه : لم يقم ؛ كما لم يقاتلوا إذا لم يقاتلوا ، وهذا فرق حسن واضح [بحمد الله وعونه](٢).
قال الشيخ ـ رحمهالله ـ في قوله ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) ـ : يحتمل أن يكون خبرا من الحرم في قديم الدهر : أنه كان على ما بين الخلق من القتال والحرب يأمنون بالحرم ، إذا التجئوا إليه ؛ وذلك كقوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) [العنكبوت : ٦٧] ؛ فيكون ذلك من عظيم آيات الله ـ تعالى ـ أن أهل الجاهلية ـ على عظيم ما بدلوا من الأمور ، وغيروا من الدين ـ منعهم الله ـ تعالى ـ عن هذا التغيير ؛ حتى بقيت لكل من شهده آية أن الله له هذا السلطان ، وبه قام هذا التدبير العظيم ، له العلم بحقائق الأشياء ، ووضع كل شيء موضعه ؛ وعلى ذلك قال بعض أهل التأويل في قوله : (ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ) [المائدة : ٩٧] ـ إن الله قد جعل ـ جل ثناؤه ـ ذلك كالماء في الشرع والطبع ، فأمّا الشرع : فما جاءت به الرسل ، وأمّا الطبع : فما تنافر الناس ، حتى سار ذلك إلى الصيد الذي يؤذيه الأخذ ، وإلى أنواع الأشياء التي قامت بجوهر تلك البقعة من النبات ، لا بأسباب تكتسب ؛ ولهذا كره بيع رباع مكة (٣) ،
__________________
(١) تقدم قريبا وهو الحديث السابق.
(٢) في ب : والله أعلم.
(٣) الرباع ـ بكسر الراء ـ المنازل ودار الإقامة فيرى الحنفية وهو المشهور من مذهب مالك ورواية عن الإمام أحمد أنه لا يجوز بيع رباع الحرم وبقاع المناسك ولا كراؤها لحديث : «مكة حرام وحرام بيع رباعها ، وحرام أجر بيوتها» أخرجه الدارقطنى (٣ / ٥٧) وصوب وقفه.
وذهب الشافعية وهو رواية عن مالك وأحمد أنه يجوز بيع وإجارة دور الحرم ؛ لأنها على ملك أربابها يجوز لهم التصرف فيها ببيع ورهن وإجارة ، واستدلوا للجواز بعموم النصوص الواردة في جواز البيع من غير فصل وانظر تفصيل ذلك باستفاضة في : إعلام الساجد بأحكام المساجد ـ