ورخص في بيع ما يحدث فيه من البنيان ، والله أعلم.
ودلّ قوله : و (جَعَلْنا) كذا ـ على لزوم ذلك الحق ؛ لأنه مذكور بحرف الامتنان ، والاحتجاج له ، ولا يجوز تغير الذي هذا وضعه ، والله أعلم.
ويحتمل : كأن صار آمنا ، أي : أوجب له الأمان ، ومعلوم أن الذي لم يلزمه القتل كان آمنا دون دخوله ؛ فثبت أن ذلك فيمن لزمه ؛ وأيّد ذلك قوله : (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) فهم قوم قد سبق منهم الكفر (١) وقت شرع القتل بالكفر ، لم يأخذهم حق الشرع على ما سبق من الكفر في وقت لم يكن ذلك جزاءه (٢) في الدنيا ، إلا أن يحدث القتال ؛ فعلى ذلك من لزمه ـ لا فيه ـ فهو يأمن به ، إلا أن يكون أحدثه فيه ، والله أعلم.
وأصله : أنه أضاف الأمان إلى نفسه بقوله : (كانَ آمِناً) فكل حق بتلف نفسه فله أمان بالدخول فيه ، وكل حق في إقامته إحياء ما جعلت الحياة لنفع مثله ـ فهو يقام ؛ ليكون زجرا له ، وتكفيرا على بقاء الأمن ؛ ليقى نفسه ، وردّه إلى ما لم يدر أنه التجأ إليه ؛ للهرب عن حكم الله ـ تعالى ـ أو للأمان بالله ؛ ليصل إلى إقامة أحكام الله ـ تعالى ـ آمنا ، وفي إقامته هذا أيضا ، والله أعلم.
وقوله (٣) : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)
فرض الله ـ تعالى ـ الحج بهذه الآية على من استطاع إليه سبيلا ، ولم يبين ما السبيل ، وبين ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم : حيث سئل عن الاستطاعة؟ فقال : «الزّاد ، والرّاحلة» (٤) ، وهكذا يقول علماؤنا (٥) : إن الاستطاعة والسبيل هو الزاد والراحلة ؛ كما روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
__________________
ـ للزركشي (١٤٤) وما بعدها ، والبدائع للكاساني (٥ / ١٤٦) ، والفروق للقرافي (٤ / ١٠ ـ ١١) ، كشاف القناع للبهوتي (٣ / ١٦٠).
(١) في ب : القتل.
(٢) في ب : جزاء.
(٣) في ب : وقوله ـ عزوجل ـ.
(٤) أخرجه الترمذي (٢ / ١٦٦) أبواب الحج : باب ما جاء في إيجاب الحجّ بالزاد والراحلة ، (٨١٣) ، (٥ / ١٠٢ ـ ١٠٣) : أبواب تفسير القرآن : باب ومن سورة آل عمران ، (٢٩٩٨) ، وابن ماجه (٤ / ٤٠١) : كتاب المناسك : باب ما يوجب الحج ، (٢٨٩٦) ، والدار قطني (٢ / ٢١٧) ، والبيهقي (٥ / ٥٨) من طريق إبراهيم بن يزيد المكي عن محمد بن عبّاد بن جعفر المخزومي عن عبد الله بن عمر ابن الخطاب قال : جاء رجل إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله ما يوجب الحجّ؟ قال : «الزاد والراحلة». وإبراهيم بن يزيد المكي هو الخوزي ـ متروك الحديث كما في التقريب ترجمة (٢٧٤).
(٥) انظر : المبسوط (٤ / ١٢٢) ، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني (٢ / ١٢٠) ، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي (٢ / ٤).