صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «أيّما عبد حجّ ولو عشر حجج ؛ فعليه إذا أعتق حجّة الإسلام» (١). وليس كالحرّ ـ الفقير يحج ، ثم أيسر : جاز ذلك من حجة الإسلام ؛ ففرقوا بينهما ، وإن كانا في زوال الحج في الابتداء سواء ؛ وذلك أن الفقير إذا بلغ ذلك المكان صار غنيا ، ولزمه الفرض ؛ لأنه لا يحتاج حينئذ إلى زاد وراحلة ، وأمّا العبد إذا حضر ذلك المكان لم يعتق ؛ لذلك افترقا.
وفي ذلك حجة أخرى : ما أجمع أهل العلم أن فقيرا لو حضر القتال ضرب له بسهم كامل ؛ كما يضرب لمن كان فرض الجهاد لازما له ، ولو أن عبدا شهد الوقعة رضخ (٢) له ، ولم يكمل له سهم الحرّ ؛ فافترقت حال الفقير والعبد في : الجهاد ، والضرب في السّهمان ؛ فعلى ذلك يفترق حالهما في الحج ، والله أعلم.
وقال بعض أهل العلم : إن الشيخ الذي لا يستمسك على الراحلة (٣) ، [إذا وجد غيره يحج عنه ـ يلزمه فرض الحج ؛ فما ينكر من قال في المرأة بمثله ، فاحتج بما روي عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : «جاء رجل إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله ، إن أبي
__________________
(١) أخرجه الطبراني في الأوسط كما في مجمع الزوائد (٣ / ٢٠٨ ـ ٢٠٩) ، والحاكم (١ / ٤٨١) ، والبيهقي (٤ / ٣٢٥) ، والخطيب في تاريخ بغداد (٨ / ٢٠٩). من طريق محمد بن المنهال ثنا يزيد بن زريع ثنا شعبة عن سليمان الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أيما صبي حجّ ثم بلغ الحنث فعليه أن يحج حجة أخرى ، وأيما أعرابي حجّ ثم هاجر فعليه حجة أخرى ، وأيما عبد حج ثم أعتق فعليه حجة أخرى».
ورجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي في المجمع.
(٢) الرضخ ـ بفتح الراء وسكون الضاد وبالخاء المعجمتين ـ : مأخوذ من الشيء المرضوخ وهو المرضوض المشروخ وهو أن يعطى شيئا قليلا دون سهم المقاتلين. انظر : الزاهر للأزهري (٢٨٣) ، المغني في الإنباء عن غريب المهذب والأسماء لابن باطيش (١ / ٦٣٧).
(٣) وهذه المسألة تعرف في كتب الفقهاء بالمعضوب ومن المتفق عليه أن سلامة البدن من الأمراض والعاهات التي تعوق عن الحج شرط لوجوب الحج فلو وجدت الشروط في شخص ما وهو مريض لا يستمسك على الراحلة إلا بمشقة عظيمة كهرم وضعف بيّن أو علّة أو شلل أو فالج أو غير ذلك من الأمراض فلا يجب عليه أن يؤدى بنفسه فريضة الحج اتفاقا ، غير أنهم اختلفوا هل صحة البدن شرط لأصل الوجوب أو هي شرط للأداء بالنفس؟ فذهب أبو حنيفة ومالك إلى أنها شرط للوجوب ، وبناء على ذلك لا يجب على فاقد صحة البدن أن يحج بنفسه ولا بإنابة غيره ، ولا الإيصاء بالحج عنه في المرض.
وذهب الشافعية والحنابلة وأبو يوسف ومحمد من الحنفية إلى أن صحة البدن ليست شرطا للوجوب بل هي شرط للزوم الأداء بالنفس ، فمن كان هذا حاله يجب عليه الحج بإرسال من ينوب عنه.
انظر تفصيل الأدلة في : المبسوط للسرخسي (٤ / ١٥٣) ، بدائع الصنائع (٢ / ١٢١) ، شرح المهذب (٧ / ٩٧) ، نهاية المحتاج (٢ / ٣٨٥) ، الكافي لابن قدامة (١ / ٢١٤).