شيخ فأدركته فريضة الحج ، وهو لا يستطيع أن يستمسك على الراحلة](١) ؛ أفيجزئ أن أحج عنه؟ فقال صلىاللهعليهوسلم : «أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته عنه ، أكان يقبل منك»؟ قال : نعم ؛ قال : «فالله أولى بحجّ أبيك» (٢) أو كلام نحوه ، ولكن ليس في الخبر أن فريضة الحج إنما أدركته في الحال التي لا يستمسك على الراحلة ، فيجوز أن أدركته فريضة الحج قبل ذلك ؛ فكذلك يقول علماؤنا : إن الحج إذا وجب فأخّر أداءه حتى أعسر ـ لم يسقط عنه الحج ، وكذلك إن (٣) وجب عليه الحج فلم يحج حتى كبر ، فصار لا يستمسك على الراحلة ، عليه أن يوصي ليحجّ عنه.
ويحتمل ـ أيضا ـ أنه رغبه رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الحج عنه تبرعا (٤) ، لا أنه ألزمه الحج في ذلك الوقت الذي لا يثبت على الراحلة ـ وعندنا أنه لا يلزمه ؛ لأنه إذا لم يستمسك على الراحلة فلا راحلة له ، ثم من قول هذا القائل : إن من لزمه فرض الحج ، فله التأخير ، وفي التأخير فوت أو إدراك المنيّة ، ومن قوله : إنه لو أخر حتى مات يصير فاسقا ؛ فإذا مات مات فاسقا ، يجعل له رخصة (٥) التأخير ، ثم يفسقه ؛ فكأنه يجعل له الرخصة في الفسق ، فذلك قبيح وخش من القول سمج.
وأمّا عندنا : فإنه لا يسع له التأخير في أوّل أحوال الإمكان (٦) على تمام شرط الاختيار ؛
__________________
(١) ما بين المعقوفين سقط من ب.
(٢) أخرجه النسائي (٨ / ٢٢٩) : كتاب آداب القضاة : باب الاختلاف على يحيى بن أبي إسحاق فيه ، من طريق سليمان بن يسار عن ابن عباس بهذا اللفظ. وأخرجه بنحوه البخاري (٤ / ٥٤٦) : كتاب جزاء الصيد : باب حج المرأة عن الرجل ، (١٨٥٥) ، ومسلم (٢ / ٩٧٣) : كتاب الحج : باب الحج عن العاجز ، (٤٠٧ ـ ١٣٣٤) من طريق مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عباس أنه قال : كان الفضل بن عباس رديف رسول الله صلىاللهعليهوسلم. فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه ، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه ، فجعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر. قالت : يا رسول الله : إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال : نعم. وذلك في حجة الوداع.
(٣) في ب : إذا.
(٤) في ب : متبرعا.
(٥) الرخصة ـ بالتسكين ـ : مأخوذة من الترخيص وهو ـ لغة ـ : السهولة والتيسير ، قال الجوهري : الرخصة في الأمر : خلاف التشديد فيه ومن ذلك رخص السعر : إذا تيسر وسهل.
واصطلاحا : ما ثبت على خلاف الدليل لعذر أي : هي الحكم الذي شرع ثانيا دفعا لحاجة الناس بعد أن اقتضى خلافه دليل متقدم عليه.
انظر : الصحاح للجوهري (رخص) ، لسان العرب (٣ / ١٦١٦) (رخص) ، نهاية السول مع حاشية الشيخ بخيت (١ / ١٢٣).
(٦) وهذه المسألة مبنية على أن الحج على الفور أو التراخي. فإن قلنا : إنه على التراخي فلو أخره عن أول عام قدر فيه إلى عام آخر لا يكون عاصيا بالتأخير ولكن بشرطين : ـ