كغيره من العبادات التي لزمت ، من نحو الصلاة ، والصيام ، وغيرهما ؛ لا يسع التأخير ؛ فعلى ذلك الحج. ثم من قول الشافعى ـ رحمهالله ـ : إن على الكافر الحج والصلاة والصيام في حال كفره (١) ، فإذا أسلم سقط ذلك عنه ؛ فذلك عندنا لعب وعبث في دين الله ـ تعالى ـ غير جائز أن يلزمه فرض في حال لا يجوز له فعله ، فإذا جاء سبب الجواز يسقط عنه ذلك.
وفي الآية دلالة أن الحج إنما كان (٢) فرضا على المؤمنين خاصة ؛ بقوله : (وَمَنْ كَفَرَ) بالحج (فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) فلو كان هو [على](٣) الكافر كما هو على المسلم ، لم يكن لقوله معنى ؛ دل أنه غير لازم ، والله أمر بالعبادات باسم المؤمنين.
ثم المسألة بيننا وبين المعتزلة في الاستطاعة ، قالت المعتزلة : تكون قبل الفعل ؛ لأن الله ـ تعالى ـ فرض الحج ، وأمر بالخروج إليه ، إذا قدر على الزاد والراحلة ؛ على ما فسره رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وإذا لم يقدر لم يلزمه ؛ فدلّ أنها تتقدم.
__________________
ـ الأول : أن يعزم على الفعل فيما بعد ، وإلا حصل الإثم بالتأخير.
والثاني : ألا يتضيقا بنذر أو قضاء نسك أو خوف فوات ؛ لكبر سن وعجز عن الوصول ، أو لضياع مال ، فإن تضيقا بشيء من ذلك وجب عليه الحج فورا وإلا كان عاصيا بالتأخير. هذا مذهب الشافعية ، وقال مالك وأحمد وجمهور أصحاب أبي حنيفة والمزني من الشافعية : إنه على الفور حتى لا يباح له التأخير بعد الإمكان إلى العام الثاني ، فإن أخر كان آثما ويفسق وترد شهادته إلى أن يحج.
وانظر دليل كل فريق في : فتح القدير (٢ / ١٢٣) ، المسلك المتقسط ص (٢٤٢) ، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (٢ / ٢ ـ ٣) ، الأم (٢ / ١١٧) ، روض الطالب (١ / ٤٥٦) ، مغني المحتاج (١ / ٤٦٠) ، الفروع لابن مفلح (٣ / ٢٤٢).
(١) وهذه المسألة مترجمة بخطاب الكفار بفروع الشريعة ، فقد اختلف علماء الأصول في تكليف الكفار بفروع الشريعة على مذاهب ، أصحها : نعم ، قال إمام الحرمين في البرهان وهو ظاهر مذهب الشافعي فعلى هذا يكون مكلفا بفعل الواجب وترك الحرام وبالاعتقاد في المندوب والمكروه والمباح.
والثاني : لا ، وهو اختيار أبي إسحاق الأسفرائيني.
والثالث : إنهم مأمورون بالنواهي دون الأوامر.
والرابع : إنهم مأمورون بكل شيء عدا الجهاد.
الخامس : تكليف المرتد دون الكافر الأصلى. والصحيح من كتب علماء الأصول أنه مخاطب بالفروع كما هو مخاطب بأصل الإيمان والمراد أنهم لا يطالبون بها في الدنيا مع كفرهم وإن أسلم أحدهم لم يلزم قضاء ما فات بل إنهم يعذبون عليها في الآخرة زيادة على عذاب الكفر. ينظر : البرهان (١ / ١٠٧) ، البحر المحيط للزركشي (٣ / ٣٦) ، الإبهاج لابن السبكي (١ / ١٧٧) ، كشف الأسرار للنسفي (١ / ١٣٧) ، ميزان الأصول (١ / ٣٠٤).
(٢) في ب : كان ذلك.
(٣) سقط في ب.