الجنّة ؛ إذا عبده ، ولم يشرك غيره فيه أحدا» (١) ليكون هذا تأويلا للآية أن قوله : (اتَّقُوا اللهَ) ولا تكفروه ؛ فيكون فيه الأمر بالإيمان ، والنهي عن الكفر ؛ لأنه ليس في وسع أحد أن يتقي الله حق تقاته في كل العبادة ؛ ألا ترى إلى ما روي من أمر الملائكة مع ما وصفوا من عبادتهم أنهم (لا يَفْتُرُونَ) [الأنبياء : ٢٠] و (لا يَسْأَمُونَ) [فصلت : ٣٨] ، ثم يقولون : ما عبدناك حق عبادتك؟!. وإذا كان أحد لا يبلغ ذلك فلا يحتمل تكليف مثله ، وجملته : أن ذلك ليس بذي حدّ وغاية ، فلذلك كان ـ والله أعلم ـ الأمر فيه راجع إلى الإسلام ، أو في نفي حق الإشراك خاصّة ، لا في جميع الأحوال والأفعال ، دليله ما ختم به الآية ، وفي وسع الخلق ألا يشركوا أحدا في عبادته ؛ ألا ترى أنه قال : (وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)؟!.
وفي ظاهر الآية النهي عن الموت إلا مسلما ، وليس في الموت صنع للخلق ، والمعنى ـ والله أعلم ـ : أي : كونوا في حال إذا أدرككم الموت كنتم مسلمين ؛ فالنهي فيه نهي عن الكفر ، والأمر بالإسلام ، حتى إذا أدركه الموت أدركه وهو مسلم ، والله أعلم.
وقد يكون على بيان ألا عذر عند الموت ـ وإن اشتد أمره ـ بالذي ليس بإسلام.
وروي عن أبي حنيفة ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : «أكثر ما يسلب الإيمان عند الموت ؛ كان الشيطان يطمعه في أمر لو أعطاه ما طلب».
ويحتمل قوله : (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) أي : احذروا عذاب الله حق حذره ، واحذروا نقمته ؛ كقوله : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) بمعنى نقمته.
وقوله : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً) : اختلف فيه ؛ قيل : حبل الله ؛ يعني : القرآن ، وهو قول ابن مسعود ، رضي الله عنه (٢).
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : «حبل الله : الجماعة ، وإنما هلكت الأمم
__________________
(١) أخرجه البخاري (٩ / ٢٠٤) كتاب التوحيد : باب دعاء النبي صلىاللهعليهوسلم أمته ... حديث (٧٣٧٣) ، ومسلم كتاب الإيمان حديث (٥٠) ، وأحمد (٥ / ٢٢٨) ، والترمذي (٢٦٤٣) من حديث معاذ أنه صلىاللهعليهوسلم قال :
«أتدري ما حق الله على العباد ، وما حق العباد على الله» فقلت : الله ورسوله أعلم. قال : «حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، وحق العباد على الله ألا يعذب من لم يشرك به شيئا».
(٢) أخرجه الطبري (٧ / ٧٢) (٧٥٦٦) عن ابن مسعود ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١٠٧) وزاد نسبته إلى الفريابي وعبد بن حميد وابن الضريس وابن الأنباري في المصاحف والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الشعب.
وينظر : الوسيط (١ / ٤٧٣) ، وتفسير البغوي (١ / ٣٩١) ، وهو أيضا قول قتادة والسدي والضحاك ، ينظر : تفسير الطبري (٧ / ٧١ ـ ٧٢) (٧٥٦٤ ، ٧٥٦٧ ، ٧٥٧١).