في ذلك ضيق ، والله أعلم.
ويحتمل أن يكون في الآية إضمار ؛ فيقول : لا تأكلوا الربا ؛ لأنكم إن أكلتموه بعد العلم بالتحريم ـ تضاعفت عليكم المآثم والعقوبات ، وقد جعل الله للربا أعلاما دلت على ما غلظ شأنها ؛ نحو ما وصف من لا يتقيه لا ينفيه بالخروج بحرب الله وحرب رسوله (١) صلىاللهعليهوسلم وبالتخبط يوم القيامة ، وانتفاخ البطن وما جرى في معاقبة اليهود ، وبتحريم أشياء لمكان ذلك ، وقوم شعيب ما حل بهم بلزومهم بتعاطى الربا ، والله أعلم ، (وَاتَّقُوا اللهَ) ولا تأخذوا الربا ولا تستحلوه (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(٢).
وقوله : (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ).
فيه دلالة أنها إنما أعدت للكافرين ، لم تعدّ لغيرهم ، فذلك يرد على المعتزلة ؛ حيث خلدوا صاحب الكبيرة في النار ، والله ـ تعالى ـ يقول : إنها أعدت للكافرين ، وهم يقولون : ولغير الكافرين.
قال الشيخ ـ رحمهالله ـ في قوله : (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) :
يحتمل : للذين اتقوا الشرك ؛ كقوله : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ).
ويحتمل : للذين اتقوا جميع أنواع المعاصى : فإن كان التأويل هو الأول ـ فكل من لم يستحق بفعله اسم الكفر ـ فهو في الآية ؛ إذ قال في النار : (أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) ، لم يجز أن تكون هي أبدا لغيرهم ؛ لوجهين :
أحدهما : إذ لا يجوز أن تكون الجنة المتخذة للمؤمنين تكون لغيرهم ؛ فكذلك النار المعدة للكافرين ، وهذا أولى بجواز القول في إيجاب الجنة لمن لا يكون منه الإيمان ؛ نحو الذرية ، وفساد القول فيهم بالنار ، والله أعلم.
والثاني : أنها إذا جعلت لغيرهم أو أعدت لغيرهم ـ كان لا يكون للكفر فضل هيبة
__________________
(١) كما ورد في قوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ ...) [البقرة : ٢٧٨ ، ٢٧٩].
(٢) ومما يعلم به حكمة نظم هذه الآية في سلك قصة أحد : ما رواه أبو داود (٢٥٣٧) عن أبي هريرة أن عمرو بن أقيش كان له ربا في الجاهلية ، فكره أن يسلم حتى يأخذه ، فجاء يوم أحد فقال : أين بنو عمي؟ قالوا : بأحد ، قال : أين فلان؟ قال : بأحد ، قال : فأين فلان؟ قالوا : بأحد. فلبس لأمته وركب فرسه ، ثم توجه قبلهم. فلما رآه المسلمون قالوا : إليك عنا يا عمرو ، قال : إني قد آمنت.
فقاتل حتى جرح ، فحمل إلى أهله جريحا ، فجاءه سعد بن معاذ ، فقال لأخته : سليه : حمية لقومك ـ أو غضبا لهم ـ أم غضبا لله؟ فقال : بل غضبا لله ولرسوله. فمات فدخل الجنة ، وما صلى لله صلاة.
ينظر : محاسن التأويل للقاسمي (٤ / ٢٢٧).