دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) [نوح : ٢٨] لا يجوز أن يدعو هؤلاء الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ ثم لا يجاب لهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) :
أمر الله ـ عزوجل ـ نبيه صلىاللهعليهوسلم أن يشاور أصحابه في الأمر ؛ ففيه وجوه ثلاثة :
أحدها : أنه لا يجوز له أن يأمره بالمشاورة فيما فيه النص ، وإنما يأمر بها فيما لا نصّ فيه ؛ ففيه دليل جواز العمل بالاجتهاد.
والثاني : لا يخلو أمره بالمشاورة ، إما لعظم قدرهم وعلوّ منزلتهم عند الله ، أو لفضل العقل ورجحان اللب (١) ؛ فكيفما كان فلا يجوز لمن دونهم أن يسووا أنفسهم بهم ، ولا جائز ـ أيضا ـ أن يأمر نبيّه صلىاللهعليهوسلم بمشاورة (٢) أصحابه ، ثم لا يعمل برأيهم ؛ دل أنهم إذا اجتمعوا كان الحق لا يشذ عنهم.
وقال بعضهم : إنما أمر نبيّه صلىاللهعليهوسلم بمشاورتهم في أمر الحرب والقتال ، وعن الحسن ـ رضي الله عنه ـ : «لما أنزل الله ـ تعالى ـ : (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) ـ قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنّ الله ورسوله غنيّان عن مشاورتكم» ؛ ولكنه أراد أن يكون سنة لأمته» (٣) ، وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أنه كان يقرأ : «وشاورهم في بعض الأمر» (٤).
وقيل : أمر الله نبيّه صلىاللهعليهوسلم أن يشاور أصحابه في الأمور (٥) ، وهو يأتيه وحي السماء ؛ لأنه أطيب لأنفس القوم ، وأن القوم إذا شاورهم بعضهم بعضا فأرادوا بذلك وجه الله ـ عزم الله لهم على أرشده.
وقيل : إن العرب في الجاهلية كانوا إذا أراد سيّدهم أن يقطع أمرا دونهم ، لا يشاورهم في الأمر شق عليهم ؛ فأمر الله النبي صلىاللهعليهوسلم أن يشاورهم في الأمر إذا أراد ؛ فإن ذلك أعطف لهم عليه ، وأذهب لأضغانهم (٦).
وفي بعض الأخبار قيل : «يا رسول الله ، ما العزم؟ قال : «أن تستشير ذا الرأي ، ثم
__________________
(١) اللب : العقل ، واللب : خالص كل شيء ، واللبيب : العاقل. ينظر : القاموس المحيط (ص ١٢٣) (لأب).
(٢) في ب : بتشاوره.
(٣) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (٦ / ٧٦) برقم (٧٥٤٢) ، وقال : بعض هذا المتن يروى عن الحسن البصري من قوله وهو ـ مرفوعا ـ غريب ، وذكره السيوطي في الدر المنثور (٢ / ١٥٩) وعزاه لابن عدى والبيهقي وقال : حسن عن ابن عباس.
(٤) ينظر : البحر المحيط (٣ / ١٠٥).
(٥) ذكره الطبري في التفسير (٧ / ٣٤٤) رقم (٨١٢٧) ، والواحدي في الوسيط (١ / ٥١٢) ، وذكره السيوطي في الدر المنثور (١ / ١٥٩) وعزاه لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة.
(٦) ينظر : التفسير الكبير للرازي (٩ / ٥٤) ، واللباب لابن عادل (٦ / ١٩).