منه ، على ما جاء عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أنه كان لا يخرج إلا لحاجة الإنسان» (١) ، وحاجة الإنسان يحتمل وجهين :
يحتمل : لما يرفع إليه من الحوائج.
ويحتمل : حاجة الإنسان : الحاجة المعروفة التى لا يحتمل قضاؤها فى المسجد.
ثم الضرورة تقع بالخروج فى العكوف بوجهين : مرة فى نفسه ، ومرة فى أفعال يكتسبها.
وبهذا يقول أصحابنا ، رحمهمالله تعالى ، فى فرضية الخروج إلى الجمع ؛ لأن من اعتكف على ألا يشهد الجمعة لا يؤذن له فى ذلك ، لما لا جائز أن يؤذن بإيجاب قربة هى ليست عليه بتضييع أخرى هى عليه ؛ إذ ذلك فرض كفاية يسقط بأداء البعض ، لذلك كان ما ذكرنا.
فإن قيل : روى أنه كان [يخرج](٢) لاتباع الجنازة وعيادة المريض.
__________________
ـ عنها : «أنه عليه الصلاة والسلام كان يمر بالمريض ، وهو معتكف ، فيمر كما هو ولا يعرّج يسأل عنه». فإن طال وقوفه عرفا ، أو عدل عن طريقه وإن قل لم يجز ، وعند أبى يوسف ومحمد : لا ينتقض الاعتكاف إذا لم يكن أكثر من نصف النهار. أما المالكية فإنهم مع الجمهور فى فساد الاعتكاف لخروج عيادة المريض وصلاة الجنازة ، إلا أنهم أوجبوا الخروج لعيادة أحد الأبوين المريضين أو كليهما ، وذلك لبرهما ؛ فإنه آكد من الاعتكاف المنذور ، ويبطل اعتكافه به ويقضيه.
و ـ الخروج فى حالة النسيان :
ذهب الحنفية والمالكية إلى أن الخروج من المسجد عمدا أو سهوا يبطل الاعتكاف. وعللوا ذلك بأن حالة الاعتكاف مذكّرة ، ووقوع ذلك نادر ، وإنما يعتبر العذر فيما يغلب وقوعه. وذهب الشافعية والحنابلة إلى عدم البطلان إذا خرج ناسيا ، لقول النبى صلىاللهعليهوسلم : «عفى لأمتى عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه».
ز ـ الخروج لأداء الشهادة :
ذهب الحنفية والمالكية إلى أن الخروج لأجل الشهادة مفسد للاعتكاف. وصرح المالكية بأن من وجبت عليه شهادة ، بألا يكون هناك غيره ، أو لا يتم النصاب إلا به لا يخرج من المسجد لأدائها ، بل يجب أن يؤديها فى المسجد إما بحضور القاضى ، أو تنقل عنه. وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه يلزمه الخروج لأداء الشهادة متى تعينت عليه ويأثم بعدم الخروج ، وكذلك التحمل للشهادة إذا تعين ، فيجوز له الخروج ولا يبطل اعتكافه بذلك الخروج ؛ لأنه خروج واجب على الأصح عند الشافعية ، أما إذا لم تتعين عليه ، فيبطل اعتكافه بالخروج.
ينظر : الشرح الكبير مع حاشية الدسوقى (١ / ٥٤٣) ، تبيين الحقائق (١ / ٣٥٠) ، وابن عابدين (٢ / ٤٤٥) ، كشاف القناع (٢ / ٣٥٦) ، الروضة (٢ / ٤٠٤) ، بدائع الصنائع (٣ / ١٠٧١).
(١) أخرجه الدارقطنى ، والبيهقى فى الشعب من طريق الترمذى عن سعيد بن المسيب وعن عروة عن عائشة قالت : «... والسنة فى المعتكف ألا يخرج إلا لحاجة الإنسان».
انظر الدر المنثور (١ / ٣٦٤).
(٢) سقط فى ط.