بالشجرة الطيبة الثابتة في الأرض ذات قرار وثبات بقوله : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ) [إبراهيم : ٢٤].
فهو على ما وصفها : الحق ثابت باق وله قرار ينفع أهله ، والباطل يرى ثم يتلاشى ولا بقاء.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) : اختلف فيه :
قال أبو بكر الأصم : الروح : القرآن هاهنا ، كقوله : (يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ) [النحل : ٢] ، وكذلك قوله : (أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ ...) الآية [الشورى : ٥٢]. (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) ، أي : من تدبير ربي ، ما لو اجتمع الخلائق ما قدروا على مثله.
فإن قيل : كيف سألوا عن القرآن ، وهم لم يقروا بالقرآن؟ فقال : سمّوه : قرآنا وروحا على ما عنده ـ أعني : عند رسول الله ـ كقوله : (وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ) [الفرقان : ٧] وهم لم يكونوا أقروا أنّه رسول ، ولكن سمّوه : رسولا ؛ لما [أنه] عند نفسه وزعمه رسول ، أي : ما لهذا الذي يزعم أنه رسول يأكل الطعام؟ فعلى ذلك قوله : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) وهو الذي به حياة الأبدان من هلاك الضلال ، أي : من تمسك به نجا من هلاك الضلال.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) ، أي : بأمر ربي ينزل.
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : (الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) ، أي : من خلق ربي ، وهما واحد.
وقال بعضهم (١) : الروح : هو الملك وإنما سألوه عنه ، كقوله : (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها) [القدر : ٤] : يعني : الملك.
وقال بعضهم (٢) : إنما سألوا عن الروح المعروف الذي به حياة الأبدان ، لكنه لم يجبهم ، فوكل أمره إلى الله لما لا يدركون ذلك لو بين لهم وأمثاله.
وروى عن أبي يوسف ـ رحمهالله ـ أنه كان ينهى عن الخوض في الكلام ، ويحتج بظاهر هذه الآية ؛ حيث سألوه عن الروح ، فلم يجبهم ، ولكن فوض أمره إلى الله ، وما سئل من الأحكام إلا وقد بين لهم كقوله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ...) الآية [البقرة : ٢١٩] ، و (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ ...) الآية [الأنفال : ١] ، (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى)
__________________
(١) قاله ابن عباس وعلي بن أبي طالب ، أخرجه ابن جرير عنهما (٢٢٦٨٥ ـ ٢٢٦٨٦).
(٢) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٢٦٨٩).