آياته عليهم وإقامة حججه عليهم ـ إلا عنادا وإنكارا ، فقال عند ذلك : (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) ، أي : على دينه وطريقته ، كقوله : (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) [الكافرون : ٦] ، وكقوله : (وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) [يونس : ٤١] ، فهو كله على الإياس عن أن يؤمنوا به ويقبلوا دينه ، ثم قال : (فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً) ، أي : ربكم أعلم بمن منا على الهدى ، ومن ليس.
أو [من] منا أهدى سبيلا نحن أو أنتم؟
وقال أبو عوسجة : الشاكلة : الحاضرة أي : على ناحيته (١).
وقال القتبي (٢) : شاكلته ، أي : على خليقته [وطبيعته].
وقال قطرب : على طريقته ، وكأن هذا أشبه.
وقال بعضهم (٣) : على نيته.
وقيل : على دينه ومذهبه.
وقيل : على جديلته ومنهاجه ، وكله يرجع إلى واحد.
ويشبه أن يكون : أي : كل يعمل (٤) بما هو الشبيه به وما هو يشبهه ؛ لأن الشكل هو ما يشبه الشيء ، يقال : هذا شكل هذا ، وقوله : (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) على قول من يقول على خليقة خلق عليها ؛ لأنه خلق على علم منه أنه يختارها ويؤثرها ، والله أعلم.
وقوله : (إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) قيل (٥) : ذاهبا باطلا ، لا يجدي لأهله نفعا ؛ لأنه يتلاشى ولا يبقى ، والحق يجدي لأهله نفعا ويبقى ، وعلى ذلك ضرب الله مثل الحق بالشيء الذي يبقى ، وضرب مثل الباطل بالشيء الذي لا يبقى ولا يثبت ؛ فقال : (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) [الرعد : ١٧] ، وقد ذكرناه في موضعه : ضرب مثل الباطل بالزبد وهو يتلاشى ، لا ينتفع به ؛ فعلى ذلك الباطل ، وضرب مثل الحق بالماء ، وهو يبقى في الأرض ، وينفع الناس ، وضرب مثل الباطل ـ أيضا ـ بالشجرة الخبيثة التي اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار بقوله : (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ ...) الآية [إبراهيم : ٢٦] ، وضرب مثل الحق
__________________
(١) وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة ، أخرجه ابن جرير عنهم (٢٢٦٧٠) و (٢٢٦٧١) و (٢٢٦٧٣).
(٢) ينظر : تفسير غريب القرآن (٣٦٠).
(٣) قاله الحسن أخرجه هناد بن السري وابن المنذر عنه كما في الدر المنثور (٤ / ٣٦١).
(٤) في أ : عمل.
(٥) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢٢٦٦٤) ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه كما في الدر المنثور (٤ / ٣٦٠).