أحدهما : أسماهم : عميا وبكما وصمّا لذهاب منافع هذه الحواس ولذاتها في الآخرة ، ليس على حقيقة ذهابها ، لكن حال بينهم وبين الانتفاع بها ما ذكر لهم : (مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ ...) الآية ، فتلك الظلل تحول بينهم وبين رؤية الأشياء.
وسماهم في الدنيا : عميا وبكما وصمّا ليس على حقيقة ذهاب أعينها ، ولكن لما لم ينتفعوا بهذه الحواس في الدنيا ، ولم يستعملوها فيما أمروا باستعمالها ـ نفى ذلك عنهم ، فعلى ذلك في الآخرة.
ويحتمل على حقيقة ذهاب أعين هذه الحواس ؛ عقوبة لما لم يستعملوها في الدنيا لما له خلقت ، كقوله : (لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً) [طه : ١٢٥].
وقوله ـ عزوجل ـ : (مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ).
أي : مقامهم جهنم ، وإليها يأوون.
وقوله : (كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً) [اختلف فيه :
قال الحسن : قوله : (كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ) ، أي : كلما خبا لهبها ، وسكن (زِدْناهُمْ سَعِيراً)(١) قال : يخمد لهبها من غير أن يذهب وجع ما أصابهم ، ثم يزداد لهم سعيرا.
[و] قال بعضهم : (كُلَّما خَبَتْ) ، أي : نضجت جلودهم ، وسكنت النار (زِدْناهُمْ سَعِيراً) ، أي : نعود بنار على ما كانت ، وجعلت تلتهب ، وتستعر ؛ كقوله : (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ).
وقال بعضهم : وذلك أن النار إذا أكلتهم فلم يبق منهم غير العظام وصاروا فحما ، سكنت النار ؛ فهو الخبت ، ثم بدلوا جلودا غيرها ، فتكون وقودا لها ، والله أعلم ، وكله واحد.
وقال بعضهم : (كُلَّما خَبَتْ) ، أي : كلما أحرقتهم النار ، فصاروا رمادا ، خلقوا لها خلقا جديدا ، فتعاودهم النار فتحرقهم ، وذلك قوله : (زِدْناهُمْ سَعِيراً) ، وهو قول الله : (لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ) [المدثر : ٢٨] لا تبقي منهم شيئا إذا أخذت حتى تحرقهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ذلِكَ جَزاؤُهُمْ).
أي : ذلك الذي ذكر جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا ، وقالوا أإذا كنا عظاما ورفاتا أإنا لمبعوثون خلقا جديدا ، ثم قال : (أَوَلَمْ يَرَوْا).
أي : أو لم يعتبروا ، ولم ينظروا أن الله الذي خلق السموات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم.
__________________
(١) سقط في أ.