وقوله ـ عزوجل ـ : (بَيِّناتٍ).
أنها من عند الله جاءت ، وأنها ليست من البشر ، وأنها سماوية.
و (بَيِّناتٍ) ، أي : مبينات ما يبيّن صدق موسى في جميع ما يخبر ، ويقول ، ويبين عدله في حكمه وفعله ؛ لأن في آيات الرسل يحتاج إلى هذا : أن تبين للناس صدقهم في قولهم ، وعدلهم في حكمهم ، [و] أنهم يدعون إلى عبادة الله ، والطاعة له ، وذلك يجب على كل [ذي] عقل وطبع سليم ، فالحاجة إلى الآيات ليست إلا لصدقهم وعدلهم في حكمهم.
ثم اختلف في الآيات :
قال بعضهم : العصا ، واليد ، والحجر ، والطمس ، والخمس التي ذكر في سورة «المص» ، وهو قوله : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ ...) [الأعراف : ١٣٣].
وقال بعضهم : الخمس التي ذكر في سورة «المص» ، والعصا ، والموت الذي أرسل عليهم ، واليد البيضاء ، وانفلاق البحر.
وقال بعضهم : إنها الخمس التي ذكر في سورة «المص» ، واليد ، وحل العقدة التي بلسانه ، وفي العصا آيتان.
وقال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ العصا ، واليد ، والسنون ، ونقص من الثمرات.
ثم منهم من يجعل السنين ونقصا من الثمرات آية واحدة ، ومنهم من يجعلهما آيتين ، وكذلك العصا ، منهم من يجعلها آية واحدة ، ومنهم من يجعلها آيتين ، ومنهم من يعد الطمس ، ومنهم من لا يعد.
ونحن نجعل العصا آية واحدة ، والسنين ، ونقصا من الثمرات آية واحدة والطمس آية ، والخمس التي ذكرت في سورة «المص» ، فتكون ثمانيا فتكون التاسعة قوله : (لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ) ؛ لأنه قال : لقد علمت أنها آيات ، ولم يكذبه فرعون ، ولم يستقبله بشيء يكذبه في قوله ، وهو ما قال : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا) [النمل : ١٤] ، أخبر أنهم جحدوا بها بعد ما استيقنوا أنها آيات ، وحجج ظلما وعلوّا ، وما روى صفوان بن عسال المرادي : أنه قال : إن يهوديين أتيا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فسألاه عن التسع آيات التي ذكر أنه آتاها موسى فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا تشركوا بالله شيئا ، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ولا تزنوا ، ولا تسرقوا ، ولا تسحروا ، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان فيقتله ، ولا تأكلوا الربا ، ولا تقذفوا محصنة ، ولا تفروا من الزحف ، وعليكم خاصّة يا يهوديان ألا تعدوا في السبت» ، قال : فقبلا يديه ،