والنذارة ؛ وهما أمران يكونان في عواقب الأمور البشارة تكون عاقبة كل محبوب ومحمود ، والنذارة عاقبة كل فعل مكروه ومذموم.
ثم لقائل أن يقول في قوله : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً) البشارة : لمن أجابه فيما أمره به ودعاه إليه ، والنذارة : لمن ارتكب ما نهى عنه ، فكيف لا دلّ هذا على أن النهي يوجب الحظر والتحريم ، حيث ألحقه النذارة بارتكاب ما نهى عنه؟
قيل : إن النذارة : عاقبة كل مكروه ومذموم ، والبشارة : عاقبة كل محبوب ومحمود ، فيكون ذلك في الآداب وغيرها ، ولأن الرسل لم يبعثوا إلا لتغيير مناكير وفواحش ظهرت في الخلق وغيره من الفواحش والمناكير ، لم يبعثوا لصغائر ظهرت فيهم ، ثم دخل الصغائر والآداب فيما أرسل تبعا ، وإلا كان سبب إرسالهم الكبائر والفواحش ، فإذا كان ما ذكرنا ، كان في النهي نهي أدب ، ونهي حتم وحكم.
وبعد فإن الله ـ تعالى ـ قد أخبر أنه قد يعفو عن كثير من السيئات وما عفي عنه ، لم يلحق فيه النذارة والوعيد ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ (وَقُرْآناً فَرَقْناهُ).
بالتخفيف والتثقيل (فَرَقْناهُ).
قال بعضهم : (فَرَقْناهُ) بالتخفيف ، أي : أحكمناه ، وثبتناه ؛ حتى لا يأتيه الباطل من بين يديه ، ولا من خلفه.
وقال بعضهم : فرقناه ، وقطعناه في الإنزال سورة فسورة ، وآية فآية على ما أنزل.
(لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ).
فهو. والله أعلم. لوجوه :
أحدها : ما ذكر [في] قوله : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ ...) ، أخبر ـ عزوجل ـ أنه إنما أنزله بالتفاريق ؛ ليثبت به فؤادك ؛ لأن ذلك أثبت في القلب وأيسر في الحفظ.
والثاني : أنزله بالتفاريق على قدر النوازل ؛ لتتجدد لهم البصيرة ، وتزداد لهم الحجة بعد الحجة ، ولو كان جملة لم يكن ليتجدد لهم ذلك ، ولا تزداد لهم البصيرة.
أو أن يكون أنزله بالتفاريق للتنبيه ؛ لينبههم في كل وقت ، ويعظهم في كل حال ؛ إذ ذلك أنبه لهم ، وأوعظ من أن يكون منزلا جملة واحدة ، ألا ترى أن الآية إذا دامت تكون في التنبيه أقل ، وإذا كانت متقطعة في الأوقات ، كانت أخوف وأنبه ، نحو كسوف الشمس بالليل ، صار بالدوام غير مخوف ، ولا منبه لهم للدوام ، وكسوفها بالنهار ، صار تنبيها ؛