ذكر هذا ـ والله أعلم ـ لأن العرب كانت لا تعرف الرسل والكتب المنزلة من السماء ولا يؤمنون بهما ، وكانت لا تعرف ذكر الرحمن ولا التسمية (١) به وكذلك غيره من الأسماء ، لما لا سبيل إلى معرفة ذلك إلا بألسن الرسل والأنبياء ، وإما بالكتب المنزلة من السماء ، فإذا لم يؤمنوا بالرسل ، ولا عرفوا الكتب ، حملهم ذلك على الإنكار والجحود لأسمائه ، ولذلك قالوا : (وَمَا الرَّحْمنُ) [الفرقان : ٦٠] وقوله : (وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ) [الرعد : ٣٠] أي : يكفرون بذكر الرحمن واسمه ؛ لما ذكرنا.
أو أن يكونوا أنكروا اسم الرحمن ؛ لما لم يعرفوا أنه مأخوذ من الرحمة ، [ولو عرفوا : أنه من الرحمة ما أنكروا ؛ على ما لم ينكروا «الرّحيم» ؛ لأنهم عرفوا أن الرحيم مأخوذ من الرحمة](٢) وأما الله فهم يسمون كل معبود إلها ، وعلى ذلك سموا الأصنام التي كانوا يعبدونها : آلهة ، ويقولون : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣] ، و (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) [يونس : ١٨] ، فيسمون الله لما هو المعبود عندهم ، ورجعت عبادتهم الأصنام إلى الله ؛ حيث زعموا (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) ، كانوا يطلبون بعبادتهم الأصنام القربة إلى الله ؛ لذلك أنكروا غيره من الأسماء ؛ على أن العرب لم ينكروا لشىء واحد اسمين وأكثر ، وعرفوا أن اختلاف الأسماء ، وكثرتها لا يوجب اختلاف المسمى بها ، ولا يوجب عددا منه ، وأن ما قالوا : إنه كان يدعو حتى الآن إلى عبادة واحد ، فالساعة يدعو إلى عبادة اثنين وأكثر ، إنما قالوا على التعنت والعناد ، وإلا قد عرفوا لشىء واحد اسمين وأكثر ، لكنهم أنكروا لله ذلك ؛ لما ذكرنا ؛ تعنتا منهم ، وعنادا ، على هذا يجوز أن ـ تتأوّل الآية ـ والله أعلم.
ثم اختلف في تخصيص ذكره بهذين الاسمين :
قال بعضهم : وجه تخصيصهما ؛ لأنهما اسمان مخصوصان له ، لا يجوز أن يسمى غيره بهذين الاسمين ، وأما غيرهما من الأسماء فإنه يجوز أن يسمى غيره بها.
وقال الحسن : خصّ بذكرهما ؛ لأنهما اسمان معظمان عند الخلق ما لم يجعل لغيرهما من الأسماء من التعظيم ما جعل لهذين.
وقال أبو بكر الأصم : خص بذكر هذين ؛ لأن غيرهما من الأسماء أسماء أخذت عن صفاته ، وأما هذان فهما ليسا أخذا عن صفته.
__________________
(١) في أ : الثقة.
(٢) سقط في أ.