ثم قال أهل التأويل : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم سئل عن قصة أصحاب الكهف والرقيم وأنبائهم ، فقال : أخبركم غدا ولم يستثن ، فعاقبه الله فيه أن حبس عنه الوحى كذا وكذا يوما ، فنزل : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً. إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ)(١) [الكهف : ٢٣ ، ٢٤].
لكن ذلك فاسد ، وما توهموا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم محال ؛ لأنه كذب لا يجوز أن يكون رسول الله يقول : (أخبركم غدا) والله لم يأمره بذلك ، أو قال ولم يستثن ؛ فيحبس الله الوحي عنه ، ولا يخبرهم في الوقت الذي قال إنه يخبرهم ؛ فيظهر كذبه عندهم بعد ما اختاره لرسالته ، واصطفاه لموضع وحيه ، ثم يكذبه فيما أخبر ؛ هذا فاسد محال غير محتمل ما توهموا به على الله وعلى رسوله ، قد كان من كفار مكة السعي في منع رسول الله عن تبليغ الرسالة إلى الناس ، والحيلولة عن الدعاء إلى ما أمر أن يدعوهم ، واستقبال حججه وبراهينه بتمويهاتهم ، وقد ذكر في غير قصة وخبر : أنهم سألوا اليهود عنه ، وعن نعته : هل تجدون نعته في كتبكم؟ أن لم يكونوا أهل كتاب يعلمون ذلك ؛ فاحتاجوا إلى من يعلمهم ويخبرهم عنه ، فسألوا يهود المدينة عنه وعن خبره ، فقالوا : نجد نعته في كتابنا كما يقولون ، فهذا وقت خروجه وأوانه ، فقالوا لهم : حدثونا بشيء نسأله لا يعلمه إلا نبيّ ، فقالوا : سلوه عن ثلاث خصال ، فإن أجابهن ، فهو نبي ، وإلا فهو كذاب ، اسألوه عن أصحاب الكهف ، واسألوه عن ذي القرنين فإنه كان ملكا ، وكان من أمره كذا وكذا ، واسألوه عن الروح ، فإن أخبركم فهو نبي ، وإن لم يخبركم فهو كذاب ، فسألوه ، فأخبرهم عن ذلك.
وفي بعض القصة : اسألوه عن الروح ، فإن أخبركم عنه ، فهو ليس بنبيّ وإن لم يخبركم ، ولكنه وكل أمره إلى الله فهو نبي (٢).
ثم قوله : (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً) :
يحتمل أن يكون الخطاب وإن كان لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فالمراد به غيره ، على ما خاطبه في غير آي من القرآن والمراد به غيره.
ويحتمل أن الخطاب له والمراد هو ، وإن كان هو المخاطب بهذا ، فإنه يحتمل قوله : (أَمْ حَسِبْتَ ...) إلى آخره وجهين :
أحدهما : يقول : قد حسبت أن أنباءهم وأخبارهم كانت من آياتنا لرسالتك ونبوتك
__________________
(١) أخرجه ابن المنذر عن مجاهد مرسلا كما في الدر المنثور (٤ / ٣٩٤).
(٢) بقية حديث مجاهد السابق.