لن نعبد من دونه إلها غير الله ، كفعل قومنا ، ولو فعلنا لقد قلنا شططا ، أي : جورا وظلما.
ثم قال : (هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) : يعبدونها (لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ) ، أي : هلا يأتون على تسميتهم آلهة أو استحقاق العبادة لها بحجة بينة.
ثم حرف (هلا) يستعمل في الماضي ، ويستعمل في المستقبل ، فإن كان على الماضي فهو على الإنكار ، أي : لم يكن ؛ وإن كان على المستقبل فهو على السؤال ، أي : ائتوا بحجة بينة على أنها آلهة ، كما أتوا هم : أن الله هو الإله الحق ، وأنه خالق السموات والأرض ، ورب ما فيهما.
قال القتبي (١) : (فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ) أي : أنمناهم ، والأمد : هو الغاية ، (وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ) ، أي : ألهمناهم الصبر ، وثبتنا قلوبهم.
وقوله : (شَطَطاً) ، أي : غلوا ، يقال : أشط على ؛ إذا غلا في القول.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً).
أي : لا أحد أظلم ممن جعل مع الله آلهة ، وقد ذكرنا تأويله في غير موضع.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ) ، وفي حرف ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ : وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون من دون الله (٢) فتأويل الآية على القراءة الظاهرة : وما يعبدون إلا الله ، أي : وإن اعتزلتموهم ، والذين لا يعبدون إلا الله ، فلا تعتزلوا عبادته ؛ لأنه كانوا يعبدون الأصنام ، ويعبدون الله أيضا ويرونه معبودا ؛ فكأنهم قالوا : وإذ اعتزلتموهم والذين يعبدون إلا الله فلا تعتزلوه ، وهو كقول إبراهيم ـ عليهالسلام ـ لقومه حيث قال : (قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ. أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ ...) الآية [الشعراء : ٧٥ ، ٧٦] استثنى عبادة رب العالمين من بين عبادة من يعبدون من دونه ؛ إذ كانوا يعبدون الأصنام ، ويعبدون الله ويرونه معبودا ، إلا أن بعضهم لا يرون أنفسهم بلغت مرتبة عبادة الله ، فيعبدون الأصنام ؛ رجاء أن تشفع لهم عنده ، أو تقرب عبادتهم إلى الله زلفى وأمثاله.
وجائز أن يكون قوله : (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ) : على التقديم والتأخير ، أي : وإذ اعتزلتموهم فأووا إلى الكهف ؛ لأنهم كانوا لا يعبدون إلا الله يعني : أصحاب الكهف.
__________________
(١) انظر تفسير غريب القرآن لابن قتيبة (٢٦٤).
(٢) قاله قتادة أخرجه ابن جرير (٢٢٩٢٤) وابن أبي حاتم عنه كما في الدر المنثور (٤ / ٣٩٠).