والثاني : ما ذكرنا : وإذ اعتزلتموهم وما يعبدونهم في الحقيقة إلا الله ، وإن كانوا في الظاهر يعبدون غير الله.
وتأويل قراءة عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ : وإذ اعتزلتموهم وجميع ما يعبدون من دون الله.
ويحتمل أن يكون هذا منهم ليس على القول والنطق ؛ ولكن ألقى في قلوبهم وقذف : أنهم إذ فارقوا قومهم وباينوا يأوون إلى الكهف وينشر لكم ربكم من رحمته.
وقال الحسن : إن في قومهم من قد آمن سواهم ؛ فقالوا : إنكم إذا باينتم وفارقتم فأووا إلى الكهف ، فلا تقعدوا معهم فلعلهم يلحقونكم ويطلبون لقاءكم ، فلا تقعدوا معهم.
ويشبه أن يكون قوله :
(فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ) ، لما عزموا أن يفارقوا قومهم اعترض لهم الشيطان ، فقال : إنكم تفارقون قومكم إلى مكان ، وليس معكم شراب ولا طعام ؛ فتهلكون أنفسكم ؛ فدفعوا وساوسه ؛ بقوله : (يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً).
ثم قوله : (يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ) ، قال بعضهم (١) : يخلق لكم ربكم ، كقوله : (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها) [البقرة : ٢٥٩] بالراء ، أي : كيف نخلقها.
وقال بعضهم : (يَنْشُرْ لَكُمْ) ، أي : يبسط ، والنشر : هو البسط.
قوله عزوجل : (مِنْ رَحْمَتِهِ) : يحتمل الرزق ، ويحتمل كل شيء به يدفع الهلاك عن أنفسهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً).
أي : ما ترفقون به وتنتفعون به ، وهو قول أبي عوسجة ، وهو من الرفق ، والمرفق ـ أيضا ـ مثله ؛ لأنه : ينتفع [به].
وقال القتبي (٢) : (مِرْفَقاً) : ما يرتفق به.
وقال أبو عبيدة (٣) : المرفق : ما ارتفقت به ، فأما في اليدين فهو مرفق ، والله أعلم.
__________________
(١) قاله ابن جرير (٨ / ١٩٠) ، والبغوي (٣ / ١٥٣).
(٢) انظر تفسير غريب القرآن (٢٦٤).
(٣) انظر مجاز القرآن (١ / ٣٩٥).