ما قالوا في محوه ، وهو السواد الذي يرى فيه والنقصان الذي يكون فيه في آخره.
وقال بعضهم (١) : محي منه تسعة وستون جزءا من سبعين جزءا ، إلى هذا يذهب هؤلاء.
وأما الحسن وأبو بكر وهؤلاء ، فهم يقولون : ليس في الآية ذكر الشمس والقمر ، إنما ذكر الليل والنهار وأخبر أنه جعل آيتين ؛ فهما كذلك آيتان ، وبهما يعلم عدد السنين والحساب ؛ لأنه بالأيام يعرف ذلك ، فأمّا الشهور فإنه إنما تعرف بالقمر لا تعرف بالأيام ؛ ويكون قوله تأويل (٢) : (فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً) ، أي : جعلنا آية الليل في الابتداء ممحوة مظلمة ، وجعلنا آية النهار مبصرة مضيئة في الابتداء ليس أن كانا جميعا مبصرتين مضيئتين ثم محي آية الليل وأبقيت آية النهار مضيئة ؛ ولكن إنشاء آية الليل في الابتداء [مظلمة ، وإنشاء آية النهار في الابتداء](٣) مبصرة ، وهو كقوله : (وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ. وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ) [الغاشية : ١٨ ، ١٩] ، أي : إنشاؤها في الابتداء كذلك ، لا أن السماء كانت موضوعة فرفعها ، و [لا] كذلك الجبال [كانت](٤) مبسوطة ثمّ نصبها ؛ ولكن إنشاءهما في الابتداء كذلك ؛ فعلى ذلك قوله : (فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً) ، أي : جعلهما في الابتداء : هذا مظلما ممحوّا ، وهذا مبصرا مضيئا.
(وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ) : هما آيتان مختلفتان ، بل متضادتان تضاد كل واحدة منهما صاحبتها ؛ إذ كل واحدة تنسخ الأخرى حتى لا يبقى لها أثر ، وهما آيتان دالتان على وحدانية الله تعالى ؛ لأنه لو كانا فعل عدد ـ لكان إذا أتى هذا على هذا وغلب عليه ـ منع من أن يكون للآخر سلطان أو أمر ؛ فإذ لم يكن دلّ أنه صنع واحد ، وفيهما دلالة تدبيره ؛ حيث جريا على سنن واحد ومقدار واحد ، على غير تفاوت يكون فيهما وتفاضل ، أو تغير على ما كان ومضى ؛ دل أنه عن تدبير خرجا وكانا كذلك.
وفيه دلالة علمه وحكمته لما جعل فيهما من المنافع ما لو كان اللّيل سرمدا ذهب منفعة الليل نفسه ، ولو كان النهار سرمدا لذهب منفعة النهار رأسا.
وفيه دلالة البعث ؛ لأنه يتلف أحدهما إذا جاء الآخر حتى لا يبقى [له](٥) أثر بتة ، ثم يعيده على ما كان من غير أن يعلم أنه غير الأوّل.
__________________
(١) قاله عكرمة ، أخرجه عبد بن حميد وابن المنذر عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٣٠٢).
(٢) في ب : تأويل قوله.
(٣) سقط في أ.
(٤) سقط في ب.
(٥) سقط في أ.