فإن كان في أمرهم نزل هذا فرسول الله كان لا يخبرهم إلا ما أوحي إليه وأنزل عليه من أمرهم ، والوجه فيه ما ذكرنا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ).
قيل (١) : لا تتعد عنهم إلى غيرهم.
وقيل (٢) : لا تصرف ولا ترفع عينيك عنهم تجاوزهم إلى غيرهم.
(تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا) هذا يحتمل وجهين :
أحدهما : إن كان على تأويل أهل التأويل أنهم سألوه أن يتخذ لهم مجلسا دون أولئك (٣) ، فيكون تأويل قوله : (تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا) أي : تريد أولئك الذين يطلبون منك مجلسا على حدة يريدون بذلك زينة الحياة الدنيا لا يريدون بذلك وجه الله.
والثاني : لو فعلت ما سألوك كان فعل ذلك [كفعل] من يريد زينة الحياة الدنيا ؛ لأن المجلس الذي يحضره الأشراف والرؤساء إنما يراد به زينة الحياة الدنيا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا).
تأويل الآية على قولنا ظاهر ، نحن نقول على ما نطق ظاهر الآية : من أغفلنا قلبه عن ذكرنا ، أي : من خلقنا ظلمة الكفر بكفرهم في قلوبهم ، أو خذلناهم بكفرهم الذي فعلوا.
وأما المعتزلة فإنهم قد تحيروا فيه وتاهوا وأكثروا التأويلات فيها ، حتى أن منهم من صرف القراءة عن وجهها فقال : (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا) بنصب اللام ، و (قَلْبَهُ) برفع الباء ، معناه : أن من أغفل قلبه عن ذكرنا على قول المعتزلة ، على صرف الفعل إلى القلب ، وكذلك قالوا في قوله : (مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ) [الفلق : ٢] ؛ ليصح على مذهبهم ويستقيم.
ومنهم من قال : (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا) ، أي : لا تطع من وجدنا قلبه غافلا ، وقال : ذلك مستقيم في اللغة ؛ يقال : قاتلناهم فما أجبناهم ، أي : ما وجدناهم جبناء ، ويقال : فسألناهم فما أبخلناهم ، أي : ما وجدناهم بخلاء ، ونحوه من الكلام ، وهو تأويل الجبائي فيما أظن.
وقال بعضهم : (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ) ، أي : من خلينا بينه وبين ما يفعل وهو كما يقال لمن خلى عبده حتى أفسد كثيرا من الناس يقال : سلطت عبدك على الناس ، وهو لم يسلطه عليهم ، لكنه يقال له ؛ لما قدر على منعه عن ذلك والحيلولة بينه وبين ما فعل
__________________
(١) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير منه (٢٣٠١٤ ، ٢٣٠١٥).
(٢) انظر : تفسير البغوي (٣ / ١٥٩).
(٣) ينظر : اللباب (١٢ / ٤٦٨).