الصالحات ، وهنّ كنز من كنوز الجنة» ؛ قال : وما هي يا رسول الله؟ فذكر : «سبحان الله ...» إلى آخره (١).
فإن ثبتت هذه الأخبار فهي الأصل لا يجوز غيره.
وقال بعضهم : الباقيات الصالحات : الصلوات الخمس ، وهو قول ابن عباس (٢) وغيره ، فأيهما كان ، ففيه معنى الآخر ، وإن كل واحد منهما يجمع جميع أنواع الخيرات والعبادات في الحقيقة ؛ لأن «سبحان الله» هو تنزيه الرب عن كل آفة وعيب ، و «الحمد لله» هو الثناء له بكل نعمة وصلت منه إلى الخلق ، وجعله مستحقّا للحمد والثناء له دون من سواه ، وإن «لا إله إلا الله» : هو لا معبود سواه ، وألّا يستحق العبادة غيره ، و «الله أكبر» : هو الإجلال عن كل ما قيل فيه ونفي كل معاني الخلق عنه ، و «لا حول ولا قوة إلا بالله» : هو التبرى ، وقطع الطمع عمن دونه وتفويض الأمور بكليتها إليه والتسليم له ؛ فكل حرف من هذه الحروف يجمع في الحقيقة كل أنواع العبادات والخيرات لما ذكرنا ، وكذلك الصلوات ـ أيضا ـ تجمع كل أنواع العبادات ؛ لأنه يستعمل كل جارحة من جوارحه فيها في كل حال منها ؛ فهي تجمع جميع العبادات.
والأصل في قوله : (وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ) أنها كل الخيرات والطاعات ؛ لأن الله ـ تعالى ـ ذكر ووصف الحق بالبقاء والثبات في غير آي من القرآن ، ووصف الباطل بالبطلان والتلاشي والذهاب ؛ من ذلك قوله : (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ...) الآية [الرعد : ١٧] ، وقال : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً ...) الآية [إبراهيم : ٢٤] ، وأمثاله ؛ فعلى ذلك قوله : (وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ) هي باقية.
(خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً).
أي : خير ما يأملون.
قال أبو عوسجة (٣) : (فَأَصْبَحَ هَشِيماً) أي : يابسا باليا.
وقال القتبي (٤) ومنه سمي الرجل : هاشما.
__________________
(١) أخرجه الطبراني وابن شاهين في الترغيب في الذكر ، وابن مردويه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٤٠٨).
(٢) أخرجه ابن جرير (٢٣٠٨٢) ، وابن المنذر وابن أبي حاتم ، كما في الدر المنثور (٤ / ٤١٠) ، وهو قول سعيد بن جبير وقتادة وإبراهيم وغيرهم.
(٣) انظر : مجاز القرآن لأبي عبيدة (١ / ٤٠٥) ، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة ص (٢٦٨).
(٤) ينظر : تفسير غريب القرآن ص (٢٦٨).