فإذا لم يفسده ولكن أحياه بالاختلاط ـ دل أن في الماء معنى به يحيا النبات لا يعلم ذلك غيره ، دل أنه عالم بذاته.
والتدبير هو ما جعل منافع السماء متصلة بمنافع الأرض مع بعد ما بينهما ؛ دل أن ذلك كان بواحد عليم مدبر قادر بذاته.
وأن من قدر على ما ذكر من الإحداث والإفناء ـ قادر على الإعادة والبعث ، والله الموفق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَصْبَحَ هَشِيماً).
قيل : كسيرا مكسورا.
(تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً).
هو مفتعل من (قدرت).
وقوله ـ عزوجل ـ : (الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ) كأن هذا ذكر على مقصود الناس : أن من كان قصده في الدنيا : كثرة المال والبنين ، فهو زينة الحياة الدنيا ، وهو الفاني والذاهب على ما ذكر (١) ، ومن كان مقصوده في هذه الدنيا الخيرات والآخرة ـ فهي الباقيات أبدا.
ثم اختلف في (وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ) : قال بعضهم (٢) : هو قوله : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ؛ والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ؛ وعلى ذلك روى في بعض الأخبار عن نبي الله صلىاللهعليهوسلم : «ألا وإنّ سبحان الله والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر هنّ الباقيات الصّالحات» (٣).
وفي بعض الأخبار أنه قال لأصحابه : «خذوا جنّتكم» ، قالوا من عدوّ حصرنا؟ قال : «خذوا جنّتكم من النّار ؛ فقولوا : سبحان الله ، والحمد لله ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوّة إلا بالله ؛ فإنّهنّ المقدّمات المؤخّرات الباقيات الصّالحات» (٤).
وفي بعض الأخبار لأبي الدرداء : «خذهنّ قبل أن يحال بينك وبينهنّ ؛ فإنهنّ الباقيات
__________________
(١) ينظر : اللباب (١٢ / ٥٠١).
(٢) قاله عثمان بن عفان ، أخرجه ابن جرير (٢٣٠٨٨ ـ ٢٣٠٩٠) ، وأحمد وابن المنذر عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٤٠٩) ، وهو قول ابن عباس وابن عمر وسعيد بن المسيب ومجاهد والحسن وقتادة وغيرهم.
(٣) أخرجه سعيد بن منصور وأحمد وابن مردويه عن النعمان بن بشير ، كما في الدر المنثور (٤ / ٤٠٨).
(٤) أخرجه النسائي في الكبرى (٦ / ٢١٢) ، وابن جرير (٢٣١٠٠) ، وابن أبي حاتم والطبراني في الصغير والحاكم وصححه ، وابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة ، كما في الدر المنثور (٤ / ٤٠٨) ، وله شاهدان عن أنس وعائشة ذكرهما السيوطي في المصدر السابق.