وقوله : (وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ).
ويحتمل قوله : (وَيُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ) : ما نسبوه إلى السحر والكهانة والإفك وغيره ، به يجادلونه ؛ وهو باطل.
أو أن يكونوا عرفوا أن ما يجادلونهم به ويحاجونهم باطل ، وأن ما يدعوهم [إليه] الرسول حق وصدق ونور ، لكن يعاندونه ويجادلونه ، وعندهم [أنهم] على باطل ، كقوله : (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ ...) [الصف : ٨] الآية : عرفوا أنه نور لكنهم عاندوه في المجادلة والمحاجة بالباطل ، والله أعلم.
وقوله : (لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَ).
أي : ليبطلوا به الحق.
وقوله : (وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً).
قال بعضهم : آياته : الشمس والقمر وغيره ، (وَما أُنْذِرُوا) : ما أنذر به الرسل ، هو القرآن. وقال بعضهم : قوله : (وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا هُزُواً) : القرآن والحجج التي أقامها وما أمروا به غير القرآن ، هي المواعيد ـ هزوا.
وقال [أصحاب] هذا التأويل : تأويل الأول باطل لا يصح ؛ لأنه قال على أثره : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها) ، يقول : هذا يدل أنه أراد بالآيات ما ذكرنا من الحجج والبراهين ، لا ما ذكر.
وجائز أنهم إذا لم يعملوا بآياته ولم يستعملوها نسبهم إلى الهزء بها والسخرية ، وإن لم يهزءوا بها ، وهو ما سماهم : عميا وبكما وصما ؛ لما لم ينتفعوا بهذه الحواس ، ولم يستعملوها فيما جعلت له ، وإن لم يكونوا في الحقيقة كذلك ؛ فإذا كان فعلى ذلك هذا ، والله أعلم.
ثم يحتمل مجادلتهم إياهم : ما قالوا : هذا سحر ، وكهانة ، وإنه إفك ، وشعر ، ونحوه.
أو أن يكون مجادلتهم قولهم : (أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً) [الإسراء : ٩٤] ، وقولهم : (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) [إبراهيم : ١٠] ، وأشباه ذلك من المجادلات التي كانت بينهم ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها).
يحتمل قوله : (ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ) ، أي : وعظ بالآيات التي نزلت بمكة بمكذبي الرسل من الأمم الماضية ؛ فيكون تأويله ، أي : لا أحد أظلم على نفسه ممن وعظ بآيات ربّه فأعرض عنها ما لو اتعظ بما وعظ كان به نجاته.
أو أن يكون تذكيره بآيات ربه ، وهو ما أقام من حججه وبراهينه على توحيده ورسالة الرسول ، فلم يقبلها ولم يصدقها ، أي : لا أحد أظلم على نفسه ممن لم يتعظ بما ذكر من