الآيات والحجج ولم يقبلها ، والله أعلم.
وقوله : (فَأَعْرَضَ عَنْها) : يحتمل الإعراض في الآية ، أي : لم يقبلها ، ولم يكترث إليها ، ولم ينظر فيها ، أو أعرض عنها بعد ما عرفها أنها آيات وحجج ؛ تعنتا وعنادا.
وقوله : (وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ).
يحتمل ؛ أي : نسي من الخيانة والشرك.
أو أن يكون قوله : (وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ) موصولا بالأول ، أي : لا أحد أظلم على نفسه ممّن وعظ ، وجعل له سبيل للتخلص والنجاة مما قدمت يداه ، فلم يتعظ به ؛ والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً).
إن الكفر مظلم إذا أتى به إنسان يستر على نور القلب وعلى نور كل جارحة منه ، والإيمان منير ينير القلب ، وينير كل جارحة منه وعضو ، وهو ما ذكرنا في غير موضع : أن الإنسان إنما يبصر بنورين ظاهرين : بنور نفسه ، وبنور ذلك الشيء ، فإذا ذهب أحدهما ، ذهب الانتفاع بالآخر ، والإيمان ما ذكرنا : أنه منير ، وفي القلب نور ، فإذا اجتمع النوران معا ـ فعند ذلك انتفع به ، فجعل يفقه ويعقل الشيء بنور القلب وبنور الإيمان ، وكذلك كل جارحة منه ، الأذن والبصر واللسان ، جعل يبصر الحق به ، ويعتبر به ، ويستمع الحق والصواب.
والكفر مظلم يمنع ويستر على نور الجوارح ؛ فجعل لا يبصر ، ولا يعتبر ، ولا يستمع ، ولا يتكلم بالحق ، وهو ما ذكرنا : أن الإنسان إنما يبصر الشيء بنور العين وبنور الهواء ؛ فإذا ذهب أحدهما صار لا يبصر شيئا ؛ فعلى ذلك ما ذكرنا.
وفي الآية دلالة نقض قول المعتزلة ؛ لأنه لا يخلو الكفر من أن يكون مظلما قبيحا ذميما بنفسه أو بالله تعالى.
فإن قيل : صار كذلك.
قيل : لئن جاز ذا جاز حدوث الأشياء بنفسها ؛ إذ لا فرق بين أن يكون الشيء مظلما قبيحا ذميما بنفسه وبين أن تكون الأشياء بأنفسها على ما كانت ، فإن بطل [كونه] بنفسه مظلما قبيحا ثبت أن الله هو الذي جعله مظلما قبيحا ، وهو ما نقول نحن : إن الله خلق فعل الكفر من الكافر مظلما قبيحا ، وخلق فعل الإيمان من المؤمن منيرا حسنا ، والله الموفق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً).
هذا في قوم مخصوصين علم الله أنهم لا يؤمنون أبدا ، وإلا لا يحتمل في جميع الكفار ؛ إذ من الكفار من قد آمن.
وقال الحسن : هو في القوم الذين جعل على قلوبهم الغطاء والطبع ، إذ من قوله : إن للكفر حدا إذا بلغ الكافر ذلك الحد طبع على قلبه ؛ فلا يؤمن أبدا.