وقال بعضهم : هو في قوم عادتهم العناد والمكابرة وتكذيب الآيات والحجج ؛ فأخبر أنهم لا يؤمنون أبدا ؛ لعنادهم ، وأصله ما ذكرنا ، والله أعلم.
وقوله : (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ).
يحتمل على وجهين :
أحدهما : (الْغَفُورُ) حيث ستر عليهم ولم يعاقبهم وقت عصيانهم ، و (ذُو الرَّحْمَةِ) يقبل توبتهم إذا تابوا.
والثاني : (الْغَفُورُ) إذا استغفروا أو تابوا ، و (ذُو الرَّحْمَةِ) يرحمهم ويتجاوز عنهم ما سبق لهم من الذنوب.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ) في الدنيا.
(بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ) :
قال الحسن : جعل الله لكل أمة يهلكون ـ لهلاكهم ـ موعدا وأجلا [كقوله] : (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ) [هود : ٨١] ، وقال في آية أخرى : (تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ) [هود : ٦٥] ، وجعل موعد هذه الأمة الساعة ؛ وهو قوله : (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ) [القمر : ٤٦].
قال بعض أهل العلم : أهلك الله كل أمة كذبت رسولها ؛ لتتعظ الأمة التي تأتي بعدها ، وجعل هلاك أمة محمد بالساعة ؛ لأنه ليس بعدها أمة تتعظ به.
وقوله : (لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً).
قيل (١) : ملجأ.
وقال القتبي (٢) : لا وئلت نفسك ، أي : لا نجت ، ويقال : وأل فلان إلى كذا ، أي : لجأ.
وقوله : (وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً).
فيه دلالة نقض قول المعتزلة ؛ لأنهم يجعلون المهلك هالكا قبل أجله ، وقد أخبر لمهلكهم موعدا لا يتقدم ولا يتأخر طرفة عين.
وفي قوله : (قَدَّمَتْ يَداهُ) : ذكر تقديم اليد ، وإن لم يكن لليد صنع في ذلك ؛ لما في العرف الظاهر : أنه إنما يقدم ويؤخر باليد ، وكذلك ما ذكر من الكسب : (فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) [الشورى : ٣٠] ؛ لأنه في الشاهد إنما يكتسب باليد ونحوه ، فهو يرد على
__________________
(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير (٢٣١٦٢) ، وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٤١٦).
(٢) انظر : مجاز القرآن لأبي عبيدة (١ / ٤٠٨) ، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة ص (٢٦٩).