هو ما ذكرنا ، أي : لا تحمل نفس خطيئة أخرى ، ولا تأثم بوزر أخرى ، والله أعلم ؛ ذكر هذا ليعلم أن أمر الآخرة خلاف أمر الدنيا ؛ لأن في الدنيا قد يؤخذ نفس مكان أخرى ، ويحتمل نفس مؤمنة أخرى ، وفي الآخرة لا تؤخذ [نفس](١) بدل أخرى.
والثاني : قد يتبرع (٢) بعض عن بعض بتحمل المؤمنات والقيام في فكاكها ، وأمّا في الآخرة فلا يتبرع بذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً).
يحتمل : ما كنا معذّبين تعذيب استئصال في الدنيا إلا بعد دفع الشبه ـ ودفعها عن الحجج ـ من كل وجه ، وبعد تمامها ، وإن كانت الحجة قد لزمتهم بدون بعث الرسل ؛ ليدفع عنهم عذرهم من كل وجه ، أو أن يكون قوله : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) إفضالا منه ورحمة ، وإن كان العذاب قد يلزمهم ، والحجة قد قامت عليهم ، والعذاب الذي كانوا [يعذبونهم فى](٣) الدنيا ليس هو عذاب الكفر ؛ لأن عذاب الكفر دائم أبدا لا انقطاع له ، وهذا مما ينقطع وينفصل ، لكن يعذبون بأشياء كانت منهم من العناد ودفع الآيات ، وأما عذاب الكفر فهو في الآخرة أبدا لا ينقطع.
وفي الآية دلالة أن حجة التوحيد قد لزمتهم وقامت عليهم بالعقل ، حيث قال : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) ؛ فلو لم تلزمهم لكان الرسل إذا دعوهم إلى ذلك يقولون : من أنتم ومن بعثكم إلينا؟ فإذا لم يكن لهم هذا الاحتجاج دل أن الحجة قد قامت عليهم ، لكن الله بفضله أراد أن يدفع الشبه عنهم ويقطع عنهم عذرهم برسول يبعث إليهم ؛ لما أن أسباب العلم بالأمور ثلاثة :
فمنها ما يعلم بظاهر الحواس بالبديهة ، ومنها ما يفهم [ويعلم](٤) بالتأمل والنظر ، ومنها ما لا يعلم إلا بالتعليم والتنبيه.
وقال القتبي (٥) : (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً) وهو ما ذكرنا ، أي : نخرج بذلك العمل كتابا.
وقال أبو عوسجة : أي نكتب ما عمل ثم نقلده في عنقه فيجيء به يوم القيامة.
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في أ : تبرع.
(٣) في ب : يعذبون ثم.
(٤) سقط في أ.
(٥) ينظر : تفسير غريب القرآن ص (٢٥٢).