وقال أبو عبيدة (١) : طائره حظه.
وقال غيره من المفسّرين : ما عمل من خير وشر ألزمناه عنقه.
قال القتبي (٢) : وهذان المعنيان يحتاجان إلى بيان.
والمعنى فيما أرى ـ والله أعلم ـ أن لكل امرئ حظّا من الخير والشر قد قضاه الله ؛ فهو لازم عنقه ، والعرب تقول : إن كل ما لزم الإنسان قد لزم عنقه ، وهو لازم طائر في عنقه ، وهذا لك عليّ وفي عنقي حتى أخرج منه ؛ وإنما قيل للحظ من الخير والشر : طائر ؛ لقول العرب ما ذكرنا : جرى له الطائر بكذا من الخير ، وجرى له الطائر بكذا من الشر ؛ على وجه الفأل والطيرة على مذهبهم في تسمية الشيء بما كان له سببا ، وهو ما ذكر (٣).
وقوله : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً).
التعذيب يكون على وجوه ثلاثة :
أحدها : يعذبهم في الدنيا ابتداء بتعذيب (٤) ؛ امتحانا وابتلاء بلا جريمة كانت منهم ؛ كقوله : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) [الأنبياء : ٣٥] ، وقوله : (وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ) [الأعراف : ١٨٦] ، ونحوه ؛ فيكون تنبيها وتذكيرا لهم لا تكفيرا.
والثاني : يعذب تعذيب العناد والمكابرة ، وهو تعذيب إهلاك استئصال ؛ فهو عقوبة لهم ، وموعظة للمتقين ، وعبرة لغيره ، وهو الذي يأتي على أثر وعيد.
والثالث : عذاب الموعود في الآخرة ؛ يقول : وما كنا معذّبين في الآخرة حتى نبعث رسولا في الدنيا.
والأشبه أن يكون ما ذكر من التعذيب هو تعذيب استئصال ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها).
بالتخفيف ، والتثقيل (٥) : (أَمَرْنا مُتْرَفِيها) ، ثم من قال (أَمَرْنا) بالتثقيل يحتمل وجهين :
أحدهما : (أَمَرْنا مُتْرَفِيها) من الإمارة والتسليط عليهم ، أي : أمرنا عليهم وسلطنا
__________________
(١) ينظر : مجاز القرآن (١ / ٣٧٢).
(٢) ينظر : تفسير غريب القرآن ص (٢٥٢).
(٣) في ب : ذكرنا.
(٤) في ب : تعذيب.
(٥) ينظر اللباب (٢٣٤ ، ٢٣٦ ، ٢٣٧) السبعة (٣٧٩) ، الشواذ (٧٩) ، الإتحاف (٢ / ١٩٥) ، المحتسب (٢ / ١٥) ، النشر (٢ / ٣٠٦).