مترفيها ، أي : أكثرنا عددهم وسلطنا مترفيها فسّاقها ومستكبريها.
والثاني : (أَمَرْنا مُتْرَفِيها) ، أي : أكثرنا عددهم ومنعّميهم ؛ يذكر لهم هذا لقولهم : (وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ ...) الآية [الزخرف : ٢٣] ، وقولهم : (نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً ...) الآية [سبأ : ٣٥] : كانوا يزعمون أنهم لا يعذبون ؛ لأنهم قد أنعموا في هذه الدّنيا وأكثروا أموالهم وأولادهم ؛ فأخبرهم ـ عزوجل ـ أنه ما أهلك من الأمم الخالية إلا بعد ما كثر عددهم ووسع عليهم الدنيا ، لم يهلكوا في حال القلة والضيق ؛ كقوله : (ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا) ، أي : كثروا ، وقوله : (حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ) [الأنعام : ٤٤] : لم يأخذ بالعذاب الأمم الخالية إلا في حال كثرتهم وأمنهم وغرّتهم بالسّعة ؛ يحذر هؤلاء ؛ لئلا يغتروا بكثرة أموالهم وأولادهم وعددهم.
ومن قال : (أَمَرْنا مُتْرَفِيها) بالتخفيف هو من الأمر ، أي : أمرنا عظماءهم وكبراءهم طاعة الرسل (١) والإجابة إلى ما دعاهم إليه ، حتى إذا عصوا رسله وتركوا إجابتهم ـ على العناد والمكابرة ـ فعند ذلك يهلكون ؛ لما ذكرنا أنه لم يستأصل الأمم الخالية إلّا بعد عنادهم في آيات الله ، ومكابرتهم في دفعها وتكذيبها ، لا يهلكهم في أول ما كذبوا آيات الله وخالفوا رسله.
وقوله : (مُتْرَفِيها) ، قال بعضهم : المترف : المنعّم ، وقال بعضهم : المترف : المكرم والمستكبر ، وكله واحد.
وفي قوله : (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً) دلالة أن الإرادة غير المراد ؛ لأنه أخبر بتقدم الإرادة عن وقت الإهلاك ؛ دل أنها غيره ، وفيه أنه أراد السبب الذي به يهلكون ، وهو التكذيب والعناد ؛ لما علم منهم أنهم يختارون ذلك ؛ إذ لا يحتمل أن يريد هلاكهم ، وهو يعلم منهم غير سبب الهلاك ؛ فهذا يرد قول المعتزلة : إن الإرادة هي المراد ، وأنه لم يرد ما كان منهم من سبب الهلاك ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ).
بما أراد إهلاكهم وجب عليهم ، أو يكون قوله : (فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ) بما أخبر عن الأمم الخالية ، وهو قوله : (سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ ...) الآية [الأحزاب : ٣٨ ، ٦٢].
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً).
__________________
(١) في ب : الرسول.