ينور ذلك ويضيء ، فجعل يبصر كل شيء ، ويتجلى له الحق من الباطل ، وعرفوا الآيات من التمويهات ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً) ، فيه وجهان من الدلالة :
أحدهما : أنه نفى عنهم استطاعة السمع ، وقد كان لهم السمع ؛ فدل أن الاستطاعة التي هي استطاعة الفعل تقترن بالفعل ، لا تتقدم ولا تتأخر.
والثاني : فيه دلالة أن هنالك استطاعة ، هم يستفيدون بها وعد الله ويستوجبونه ؛ فضيّعوها باشتغالهم بغيرها حيث عوتبوا واستوجبوا ذلك العتاب والتوبيخ بالتضييع الذي كان منهم. فلو لم يكن [كذلك لم يكن] للعتاب والتوبيخ الذي عوتبوا ووبخوا معنى.
قال قوم : إنما نفى عنهم ذلك للاستثقال الذي كان منهم.
وقد يقال مثله على المجاز ؛ للاستثقال دون الحقيقة ، يقول الرجل لآخر : ما أستطيع أن انظر إليك لكذا ، وهو ناظر إليه ، لكن قد ذكرنا : أنه على الوجه الذي قال : لا أستطيع أن انظر إليك وهو ناظر إليه ، غير مستطيع النظر إليه وهو نظر رحمة وشفقة.
وقال بعضهم : هو على الطبع ، وهو قول الحسن.
وقال بعضهم : إنما نفى ذلك عنهم ؛ لما لم ينتفعوا به ، كما نفى عنهم السمع والبصر والنطق ؛ لما لم ينتفعوا به ، ليس على أنهم لم يكن لهم تلك الحواس ، فعلى ذلك ما نفى عنهم من الاستطاعة لما لم ينتفعوا بها ، ليس على أنها ليست قبل ، هكذا نفى عنهم ذلك لما عموا وصموا عن ذلك ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ) [قيل فيه بوجوه] :
[الأول :] قال بعضهم : تأويله : أفحسب الذين عبدوا في الدنيا الملائكة والرسل واتخذوهم من دوني أولياء أن يكونوا لهم أولياء في الآخرة ، ويتولون شفاعتهم يشفعون لهم وينصرون ، كلا لن يصيروا لهم أولياء ، كقولهم : (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) [يونس : ١٨] و (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣].
والثاني : (أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي) المخلصين (دُونِي أَوْلِياءَ) ويتولونهم ، أي : لا يقدرون على أن يتخذوا أولياء من دوني ، وقد كانوا يدعون المؤمنين إلى دينهم ، والتولي لهم ، وهو ما قال : (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ) [النحل : ٩٩ ، ١٠٠]
والثالث : (أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أن ما عبدوا واتخذوا (مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ) أني أمرتهم